ايمان محمد جاسم الارهاب كظاهرة موجودة في العالم منذ زمن طويل وذات تشعبات عديدة وربما نحن في منطقة الشرق الأوسط آخر المناطق التي وصلها الإرهاب بالشكل الذي نراه اليوم ويطغى على المشهد الاعلامي للمنطقة فلا تخلو ساعة من عمل ارهاربي يقع في مدينة إسلامية فمن
اندونيسيا إلى الباكستان والعراق وأفغانستان مرورا باليمن والصومال نجد ان خارطة الارهاب باتت تغطي مساحة الشرق الأوسط وفي مناطق الوطن العربي بالذات ، لو ألقينا نظرة فاحصة على المشهد العربي لوجدنا إن الأنظمة العربية سواء أكانت نظم جمهورية أم ملكية فإنها تنتهج أطر تقليدية في إدارة الحكم يضمن لها البقاء أطول فترة ممكنة في سدة الحكم معتمدة في ذلك على منظومة أمنية قوية ونظم تعليمية تقليدية غايتها الأساسية تهيئة الأجيال لقبول الأمر الواقع كما هو عليه وهذا ما ضمن للكثير من الأنظمة البقاء لعقود طويلة, وبعد أحداث سبتمبر 2001 الإرهابية وتبني تنظيم القاعدة لهذه الهجمات التي لاقت استنكارا دوليا لا مثيل له ، حينها سعت الولايات المتحدة الأمريكية التي تدرك جيدا بأن تنظيم القاعدة الذي تكون من مجموعة من المقاتلين العرب الذين كانوا يقاتلون الروس في أفغانستان والذين تلقوا دعما كبيرا من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي تحت يافطة محاربة الشيوعية ومنعها من الوصول إلى المنطقة عبر البوابة الأفغانية , هؤلاء المقاتلين وبعد خروج القوات الروسية من أفغانستان تحولوا الى أدوات طيعة منفذة لأجندات مموليهم ,أصبحوا أمراء حرب يمتهنون القتال بعد أن تخلوا عن مهنهم الأصلية وباتوا غير قادرين على العيش بعيدا عن الحروب والعنف , وهؤلاء حين عادوا إلى بلدانهم بعد أن قضوا سنوات طويلة في مدارس فكرية دينية بحته أوحت لهم بأن نظم الحكم السائدة في بلدانهم لا تتناسب ورغباتهم وميولهم ووجدوا في نظم الحكم هدفا لهم بعد أن كانت هذه الأنظمة داعمة رئيسية لهم ، وهذا ما جعلهم ينادون بعودة ( الخلافة ) في الكثير من أدبياتهم – ان جاز لنا تسميتها أدبيات - , وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وجدت الكثير من الدول العربية نفسها تخضع لنوعين من الضغوط، ضغوط العولمة من ناحية، وضغوط الولايات المتحدة من ناحية أخرى. غير أن الضغوط الأميركية لم تقنع بمطالبة الدول العربية بتحقيق التحول الديمقراطي بغير ممانعة أو تلكؤ، وبصورة تعيد صياغة فلسفه الحكم العربية، سواء في النظم الملكية أو الجمهورية، بل إنها تعدت ذلك لممارسة ضغوط ثقافية عنيفة، وهذه الضغوط الثقافية تركزت في مطالبتها بتجديد الخطاب الديني والإسلامي وإعادة صياغة الثقافة الدينية، بل ومراجعة مصادر الفقه الإسلامي التقليدية، خاصة فيما يتعلق منها بالمناهج الدراسية التي تروج لهذه الأفكار بطريقة أو بأخرى ، وزادت هذه الضغوط كثيرا بعد إسقاط نظام طالبان في أفغانستان ونظام البعث المقبور في العراق وتأسيس نظام ديمقراطي في هذا البلد الذي سعت الولايات المتحدة الأمريكية ليكون النموذج الشرق أوسطي في الديمقراطية ، لهذا وجدنا نحن أبناء الشعب العراقي أنفسنا هدفا للقوى الإرهابية المدعومة خارجيا والتي كانت تستهدف تهديم البناء الديمقراطي أو تعطيله على أقل تقدير من جهة ومن جهة ثانية أن يكون العراق ساحة حرب مكشوفة بين النظم الشمولية الاستبدادية في المنطقة وبين رياح الديمقراطية التي قد تهب من أرض العراق . ومع كل عمليات العنف التي وقعت في العراق والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العراقي نجد إن مسيرة البناء الديمقراطي تتواصل ويقابل ذلك اندحار الارهاب وتقهقره في أكثر من مكان من العراق . وقد نجح العراق في حربه ضد الارهاب عبر إتباع سياسات أمنية جادة استطاعت توجيه ضربات قوية لتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية عبر الكثير من المبادرات في مقدمتها المصالحة الوطنية التي استطاعت احتواء الكثير من المغرر بهم وإعادتهم للصف الوطني ، وبالمقابل نجد ان ظاهرة الارهاب التي بدأت تنحسر تدريجيا في العراق إلا إنها أصبحت تشكل ملمحاً أساسياً من ملامح المجتمع العربي وذلك بسبب انحسار نفوذ تنظيم القاعدة في مناطق معينة كاليمن والسعودية والمغرب العربي ومصر حيث تنتشر المدارس الفكرية المساندة لهذا التنظيم والمروجة له بعد أن كانت مساحة تواجده كبيرة جدا في أندونسيا وإسبانيا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.
الإرهاب والديمقراطية
نشر في: 25 يوليو, 2010: 06:18 م