علي حسين الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر ودنيا القلم والكتابة، فقد عاش الرجل رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة.
هناك كثيرون من الشعراء والكتاب يعيشون حياتهم العادية، ثم عندما يريدون أن يكتبوا فإنهم ينفصلون عن الحياة ويعتكفون من أجل الكتابة.. والكرخي لم يفعل ذلك أبداً.كان يكتب وهو يعيش فلم يكن أدبه نابعاً من الحياة كما يقال.. أنه الحياة نفسها، تلك الحياة التي عاشها واكتوى بنارها،لم يعرف الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة، فالحياة عنده لا فرق فيها بين البيت والشارع أو بين العمل والعلاقات الإنسانية المختلفة.. عاصر حربين عالميتين، وكان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح وبجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة اصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم. في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها (قيّم الركَاع من ديرة عفج) يقول: برلمان أهل المحابس والمدس عكّب ما جانوا يدورون الفلس هسة هم يرتشي وهم يختلسولو نقص من راتبه سنت انعقج قيّم الركّاع من ديرة عفجكمت ماعرف حماها أمن الرجل ياهو التكضة أهو ايمثل العدل وكَمنه نستورد الشلغم والفجل لان كلها ظلت اتدور ودج قيم الركّاع من ديرة عفج وهي قصيدة مؤثرة لأنها وإن عبرت عن مرحلتها، فإنما تعبر بصدق عما يسود الأجواء التي نعيشها الان. لقد استطاع الكرخي ان يحول المعارضة إلى سخرية من الفساد والحكام المستبدين والخارجين على الخط، بمفرده امتلك قدرات لفظية وعقلية ما زلنا نعيش عليها، ولهذا وجدت كتاباته استجابة عند كل الناس، حيث لمست قلوبهم وخيالهم وفكرهم.قال عنه صديقه الرصافي (يخطئ من يظن أن الكرخي سليط اللسان.. إنه سليط العقل والذكاء). في هذه الأيام العصيبة نتذكرك يا كبير الساخرين وجليس الضعفاء يا من كنت بسمة على وجوه الفقراء يا من عشت حياتك بسيطا تدافع عن الضعفاء،لم تنتظر من مسؤول ان يقول لك (عفية)، رحمك الله يا عمنا عبود الكرخي فقد كنت مبدعا ساخرا أضحكتنا لأنك بكيت علينا.
العمود الثامن.."عـفـيـــــة "
نشر في: 26 يوليو, 2010: 05:21 م