حازم مبيضين يعرف الذين استهدفوا مكاتب قناة العربية في بغداد بعمل إرهابي خسيس, أن فعلتهم لن تثني هذه القناة عن خطها السياسي, وأن دوي الانفجار لن يطغى على صوتها, وأن الدم المراق عند أبوابها لن يصبغ شاشتها باللون الاحمر, ورغم تعدد محاولات إسكات صوت العربية من بغداد,
ابتداءً من العام 2004 حين تعرض مكتبها في حي المنصور لهجوم بسيارة مفخخة ألحقت أضرارا جسيمة بالمبنى وسقط ثمانية شهداء ومروراً بمحاولة اغتيال جواد كاظم والعملية الجبانة البشعة التي أودت بحياة الشهيدة أطوار بهجت بلاغتيال إضافة لفشل محاولة اغتيال مدير مكتب العربية جواد الحطاب, فان قناة العربية حافظت على خطها السياسي, وعلى أسلوب تغطيتها للحدث العراقي, ولم تنفع معها كل محاولات الترهيب التي لم تتوقف عندها, وإنما طاولت العديد من مواقع الاعلام, وهي ورغم مصابها أكدت التزامها بتوفير خيار إعلامي مستقل ونزيه، يتمتع بالصدق والمصداقية تجاه المشاهد لكي يتمكّن من تكوين صورة متكاملة وغير منحازة لما يجري حوله، خاصةً في زمن الصراعات وأماكن التوتر والحروب. نعرف أن المخططين لهذا العمل يوجهون رسالة إرهاب صريحة إلى كل الاعلاميين العاملين في الساحة العراقية, وأن حرية الإعلام هي الهدف, في بلد يبدو أن البعض فيه لايحترمون الكلمة ولا يقرون بوجود الرأي الآخر, قبل أن نقول إنهم لايحترمونه, ويبدو واضحاً أن الارهاب يستهدف في هذه المرحلة أجهزة الاعلام التي تقف جميعاً بالضد من أفكاره وطروحاته الظلامية , كما يبدو شديد الوضوح أن مستهدفي الإعلام والإعلاميين معادون للحرية والديمقراطية والتعددية, ويبدو أن الصدى الذي يخلفه الاعتداء على موقع إعلامي, أو يستهدف شخصية إعلامية يغري الارهاب باستهدافهم, وإذا كان الارهاب نجح حتى اليوم في تسجيل رقم قياسي, في أعداد شهداء الكلمة في العراق, فانه فشل بالكامل في فرض أجنداته على الاعلاميين العراقيين الشجعان الذين يواصلون حمل رسالتهم النبيلة مدافعين عن حق شعبهم في المعرفة, وهم مدركون لحجم المخاطر المتعددة التي يتعرضون لها.ثمة خرق أمني بدون شك أدى لتمكين الارهابي الانتحاري من الوصول إلى بوابة مبنى فضائية العربية في بغداد, فقوات الامن كانت حذرت العاملين من عملية يجري الاعداد لها ضدهم, وستستهدف مكاتبهم, حتى أنها طلبت من العاملين عدم الحضور لمقر عملهم, ويعني ذلك أنه كان يجب تشديد الاجراءات لمنع الجريمة, غير أن الانتحاري تمكن من اجتياز نقطتين للتفتيش تهاونتا في التدقيق بهويته, وبتفتيش المركبة المفخخة التي كان يقودها, مع أن المتفجرات كانت مكشوفة, بحسب ما صرح به أحد كبار القادة الامنيين العراقيين عقب الحادث, وفي بعض التقديرات أن الوضع السياسي الناجم عن عدم تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية ساهم في نجاح الارهابي بالوصول إلى هدفه.رسالة الارهابيين وصلت, لكن صداها سيكون مزيداً من الجهد الدؤوب لفضح الفكر الظلامي الواقف خلفها, والاعلاميون العراقيون الذين تعرضوا لأبشع عمليات الاستهداف سيواصلون أداء مهمتهم الوطنية بكل شجاعة, وسيكون ردهم التمسك بكل قوتهم بمكتسباتهم, والأبرز منها هو مناخ الحرية المهنية التي يحاول الارهابيون, ومعهم للاسف بعض السياسيين من قصار النظر, سرقتها أو الالتفاف عليها, دون أن يدرك هؤلاء أن عقارب الساعة لاتعود إلى الوراء, وأن الزمن الذي كان يصدر فيه في العراق أربعة صحف فقط تحمل جميعها نفس الاخبار ونفس التعليقات وتتزين بنفس الصور قد ولى وإلى غير رجعة.وإن كنا في هذا المقام نتوجه بأحر العزاء لعوائل الشهداء, ولجميع العاملين في فضائية العربية, فاننا نتوجه بالعزاء لكل العاملين في الاعلام العراقي, فالارهاب استهدفهم جميعاً, وهو لايفرق بينهم, فكلهم أهداف لجرائمه التي لن تمنع مسيرة الحرية, مهما سال من دماء الابرياء, وبغض النظر عن النجاح في تنفيذ بعض العمليات الخسيسة ضد حملة لواء الكلمة النظيفة الصادقة.
جريمة استهداف العربية
نشر في: 27 يوليو, 2010: 07:23 م