احمد ثامر جهادالناصرية قدمت فرقة الناصرية للتمثيل على قاعة النشاط المدرسي في مدينة الناصرية العرض الأول لمسرحية(النهار الحادي والأربعين)تأليف وإخراج الفنان عبد الحسين ماهود وأداء الممثل علي خضير بحضور نخبة من فناني وأدباء ومثقفي المدينة.
عالج العمل المسرحي الذي ينتمي إلى فن المونودراما على مدى أربعين دقيقة حكاية رجل اكتشف بفعل أزمته الشخصية ان حياته،بعد رحيل زوجته التي قضت جراء مرض خبيث، ليس سوى جملة سوداء خاوية.سنكون والحال هذه إزاء واقعة حياة تبدو اقرب إلى الكوميديا السوداء،عمد النص إلى طرحها بأسلوب تهكمي يعرض بإسهاب تداعيات رجل في وحدته،وتردده في محاولة حلق لحيته التي أطلقها لحظة وفاة زوجته وتخطت الآن فترة الأربعين يوما.طوال العرض بدا الرجل مشغولا بهذيانات ذاتية وأخرى حياتية تحمل إشارات واضحة إلى منغصات الواقع العراقي الراهن.لنرى في حوارات لاحقة ان لحية الرجل تخطت كونها الشعر النابت على ذقن انسان حزين،فهي بسوادها الكث باتت رمزا لأحزان أخرى تؤطر حياة الناس وتؤبدهم في سواد موحش،بل انها ما فتأت بعد حين أن تحولت بفعل التناقضات الواقعية الغريبة إلى صورة ساخرة من سلوك رجل الدين الذي جعل من لحيته وسيلة فجة لتحقيق مآرب شخصية.في حكاية من هذا النوع نحن أحوج ما نكون على مستوى بنية العرض المسرحي إلى تحقيق نوع من الإقناع الملموس بتحولات الشخصية عبر رصدها من الداخل وعرض تفاعلاتها العميقة خلال تبدل قناعاتها وتصوراتها حول مجرى حياتها وأفعالها.الا ان العرض المونودرامي رغم طرافته ارتكز بشكل أساسي على القدرة الأدائية للممثل علي خضير الذي بذل من جهته جهدا ملحوظا في إيصال أزمة الشخصية بإشارات وحركات جسدية تؤشر بمجملها وضع الرجل الذي بدا معتوها تارة ومدركا جوهر معاناته تارة أخرى.وربما كان بوسع الإخراج استثمار سينوغرافيا العرض بشكل اشد جاذبية لمؤازرة الشخصية بصوتها الأوحد ومنحها فضاء بصريا مغايرا وبالتالي تغيير إيقاع العرض وانتشال شخصيته من حالة التكرار الحركي ضمن فضاء مسرحي توزعت فيه إيقونات ثقيلة تمثل المرأة الغائبة والشر الكامن.لكن المخرج في المقابل راهن على الارتفاع بأزمة الذات لتكون أزمة مجتمع حينما وضع المتلقين مباشرة أمام جدار توسط خشبة المسرح وتناثرت على سطحه خربشات وأرقام وأنصاف كلمات ذات إيحاء سياسي يثير فضول المتفرج.انه على المستوين البصري والفكري الجدار العراقي الكئيب الذي حجب حيوات الناس وعطل ديمومتها.ربما من المناسب هنا القول ان المونودراما لأسباب عدة اعتبرت إحدى أصعب الأنواع المسرحية كونها تقف في معادلة التوازن الدقيق بين عنصري الحوار والفعل المسرحي وعليها ان تلبي متطلبات التماسك البنائي للعرض بشكل يقتضي غالبا،من الناحية الإخراجية،خفض التوتر والحراك المبالغ به للشخصية التي تقف طوال زمن العرض منفردة ومعزولة لتقترح حياتها الخاصة،ومن ثم الاشتغال على توظيف بلاغة الصمت بصورة تمنح شخصية العرض حضورا مقنعا ومؤثرا، يستجيب بمرونة تذكر لكامل عدتها،يأسها وشغفها وأملها في الحياة.بكل الأحوال يبقى الجهد الطيب المبذول في هذا العرض المسرحي سواء في التمثيل أو الإخراج أو الإضاءة أو الموسيقى رهن الإمكانات المحدودة لقاعات العرض المسرحي في المحافظات والتي أصبحت تفقد بمرور الوقت وعوامل الاندثار ما تبقى فيها من حياة،وربما قريبا ستفقد،بوصفها كائنا مكانيا بامتياز،ذاكرتها الفنية أيضا.
النهار الحادي والأربعون.. عرض مسرحي فـي الناصرية
نشر في: 31 يوليو, 2010: 05:39 م