محمد صادق جرادالتهجير ظاهرة سجلت حضورا كبيرا على مدى التاريخ و حدثت كثيرا فـي مختلف المجتمعات ولو أردنا أن نجد تعريفا لها لوجدنا إنها (قيام مجموعة من الناس بإجبار مجموعة أخرى على مغادرة ديارهم ومنازلهم بالقوة لأسباب سياسية أو عرقية أو طائفية أو أسباب أخرى كثيرة)
ولقد سجل لنا القران الكريم واحدة من حالات التهجير هذه في بداية الدعوة الإسلامية حيث قام المشركون من قريش بإيذاء المسلمين بشتى الطرق ومحاربتهم في كل شيء وأخيرا قاموا بإخراجهم من ديارهم حيث قال الله تعالى واصفا المسلمين (الذين اخرجوا من ديارهم ) وهذا يثبت وجود حالة التهجير قبل أكثر من 1400 سنة وتكشف لنا هذه الحالة إن الطرف الذي يقوم بالتهجير هو الطرف الظالم الذي يستبد في أفعاله وظلمه على الناس ويمعن في إيذائهم حتى يصل إلى درجة إرغام الناس على مغادرة بيوتهم ومصادرة كل أموالهم وممتلكاتهم لان هذا النوع من الناس لا يستطيع التعايش أو العيش مع من يختلف معه في الاعتقاد والرأي فيجبره على الخروج من بلده،، ولو بحثنا عن حالات تهجير حدثت في تاريخ العراق المعاصر سنجد أمثلة كثيرة حيث عمل البعث بسياسة التهجير ضد أبناء العراق من (الأكراد الفيليين) وقام بتهجيرهم قسرا خارج بلادهم بالرغم من إنهم أكراد عراقيون يحملون الجنسية العراقية .فقط لأنهم لم يرضخوا لسياساته التسلطية والدكتاتورية .وهكذا كان ديدن الحزب الحاكم في العراق حيث قام ازلام نظام صدام في نهاية السبعينيات بتهجير عائلات عراقية تهجيرا رسميا بحجة أنهم تبعية وإبعادهم إلى إيران، والغريب إن النظام السابق قام بمصادرة جميع أموالهم المنقولة وغير المنقولة واخرجوا من بيوتهم قسرا بواسطة قوى أمنية ثم سمح للناس مهاجمة بيوتهم وسلبها ونهبها وهذا بالتالي دفع الكثير من العوائل الأخرى إلى بيع ممتلكاتها ومغادرة العراق خوفا من أن يحدث معهم نفس العمل. ولكن النظام الديكتاتوري وقتها كان يشن حملة شعواء ضد المعارضين له في الداخل واتخذ من التهجير منهجا له للتخلص من كل من يعتبره خطرا عليه وبذلك ملأ العراقيون بلاد المهجر وفي تاريخ العراق الحديث وبعد سقوط النظام البعثي شهد العراق حالات تهجير أخرى كان للقاعدة الدور الأكبر فيها حيث عملت عصابات القاعدة على تهجير الناس على أساس طائفي ومذهبي وسياسي وكان من أهداف هذا التهجير إثارة الفتنة الطائفية والمساعدة على عدم استقرار الوضع الأمني في العراق وبدعم من الخارج وكانت هذه المرة هي الأشد قسوة ووحشية حيث لم يكتف أزلام القاعدة بتهجير المواطنين بل قاموا بقتل الرجال وتفجير البيوت وشهد العالم على وحشية وبربرية أفكار هذه العصابة التي حاولت زرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الواحد والذين عاشوا عقودا طويلة متآخين ومتحابين. وقد نجح العراقيون في إفشال مخطط القاعدة والأجندات الخارجية التي لا تريد للعراق أن يتوحد, ولقد قامت الحكومة العراقية بوضع المعالجات والحلول ومنها محاربة القاعدة وضربها بقوة ومن جانب آخر تم إطلاق مشروع المصالحة الوطنية التي ساعدت كثيرا على تخطي العقبات في هذا الملف الساخن . وها نحن على وشك إغلاق ملف المهجرين في العراق بعد أن عاد معظم الذين اخرجوا من ديارهم إلى مدنهم التي رحبت بهم واندحرت القاعدة وفشلت مخططاتها الطائفية وانتصر العراقيون والمهجرون ولم يتبق سوى عدد قليل من العوائل المهجرة قياسا بالأعداد الكبيرة التي تم تهجيرها في السنوات السابقة ونتمنى أن تسعى الحكومة لمساعدتهم ليعود الجميع كي يغلق ملف المهجرين .وعلينا أن لا ننسى العمل الكبير الذي قامت به وزارة الهجرة والمهجرين والتي بذلت جهودا مميزة ونجحت بتخفيف معاناة المهجرين وتقديم العون لهم في أيامهم الصعبة التي مرت عليهم في هذه الفترة الصعبة من تاريخ العراق . وعلينا جميعا ان نعمل على نشر ثقافة التسامح والتعايش مع الآخرين لنتمكن من دحر الأفكار والممارسات الدخيلة على ثقافتنا الأصيلة .
التهجير بين الماضي والحاضر
نشر في: 31 يوليو, 2010: 06:15 م