الجزء الثانيد. عبد الجبار الرفاعيكاتب وباحثتتألف هذه الجماعة من ثلاثة مجتهدين معروفين من طهران، وهم: الشيخ فضل الله النوري، (1835-1909)، الذي قضى فيما بعد شهيدا، بعد ان تحول الى موقع مناهض لهذه الحركة، لاعتقاده بأن المشروطة على الضد من الشريعة الاسلامية، والسيد محمد الطباطبائي، والسيد عبد الله البهبهاني.
اما في الحوزة العلمية في النجف، فجرى اصطفاف آخر، اذ انشطر موقف المرجعية، فتبنى الشيخ محمد كاظم المعروف بالآخوند الخراساني، وتبعا له تلميذه الميرزا محمد حسين النائيني، وغيرهما، موقفا مؤيدا وداعما للمشروطة، فيما ذهب السيد محمد كاظم اليزدي الى تأييد الشيخ فضل الله النوري، ومن اصطف معه، في مناهضة المشروطة. وتضاربت الآراء والفتاوي في الموقف من المشروطة، ففي الوقت الذي ينص احد الفقهاء في فتواه، على ان (المشروطة كفر، والمطالب بالمشروطة كافر. ماله مباح، ودمه مهدور). يكتب الآخوند الخراساني، وعبد الله المازندراني، والميرزا حسين بن الميرزا خليل في فتواهم: (نعلن حكم الله الى كافة الشعب الايراني، ان بذل الجهد هذا اليوم لإقرار المشروطة، هو بمثابة الجهاد تحت راية صاحب الزمان، ارواحنا فداه. وأدنى معارضة او تهاون في ذلك، انما هو كمحاربته وخذلانه. اعاذ الله المسلمين من ذلك، إن شاء الله).rnوتؤشر لحظة المشروطة الى منعطف حاد في تحديث النظام السياسي عند المسلمين، وتبلور مرتكزات محورية لمفهوم الدولة المدنية، عبر توظيف شيء من المكتسبات الحديثة في الحريات والحقوق والتداول السلمي للسلطة. وقاد التكفير المتبادل بين الفريقين الى استثمار جميع مكونات الذاكرة الدينية والقومية للمجتمع الايراني في تعبئة الجمهور، ومحاولات اجتراح تفسيرات وتبريرات تستند الى الكتاب والسنة والسيرة والتراث، من اجل تشكيل رؤية واضحة لموقف كل فريق. ومثلما سادت الدعوة لتقنين عمل السلطة، ونادى بها معظم النخبة، قبل المشروطة، الى ان امتد التثقيف عليها الى عامة المجتمع. انقسم الناس تبعا للإنقسام في مواقف الفقهاء حيال المشروطة سنة 1906، وباتت قضية المشروطة هاجسا نخبويا وجماهيريا شاملا، انخرطت النخبة المدنية والدينية في الكتابة والخطابة والحديث عنه، اثباتا أو نفيا.وصدرت الكثير من المنشورات، والرسائل، والمقالات، والكتب، والمطبوعات المتنوعة، لمعالجة هذه القضية.ويمكن القول ان أخطر رسالتين صدرتا خلال هذه الضجة، وعبرتا بوضوح لالبس فيه عن الموقف المندد والرافض، والموقف المؤيد للمشروطة، هما: "تذكرة الجاهل وإرشاد الغافل "للشيخ فضل الله النوري، المطبوع سنة 1908 اي قبل مقتله بسنة، و"تنبيه الأمة وتنزيه الملة" للشيخ محمد حسين النائيني، المطبوع سنة 1909.ويبدو من عنوان الأخير لرسالته، انه يشير الى عنوان رسالة النوري، وينفي حكمها على دعاة المشروطة ومؤيديها، باعتبارهم "جاهلين....غافلين".ويصرح النوري في رسالته بنبذ الدعوة للمساواة بين المواطنين، ويستخدم لغة حادة، مشبعة بالاتهام، والأحكام القاسية، في التدوين. فمثلا يقول (ياعديم الشرف، ياعديم الضمير! صاحب الشريعة منحك شرفا وامتيازا، لأنك انتحلت الاسلام، وانت تسلب هذه الميزة عن نفسك، وتقول: يجب ان نكون متساوين، مع المجوس والأرمن واليهود، ألا لعنة الله على من لا يعرف قدره)، ولم تنتشر بنحو واسع رسالة النوري، ولم يمتد حضورها خارج زمانها، بينما اشتهرت رسالة النائيني "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" وتنوعت الإحالات المرجعية عليها، وأصبحت من أهم النصوص المؤسسة في الفكر السياسي الاسلامي الحديث. وكتب عنها وتداولها مجموعة من الباحثين والدارسين بالفارسية والعربية وغيرهما. وربما يعود ذلك الى الاسلوب الاستدلالي الذي انتهجه النائيني في بيان آرائه، ومناقشة الآراء التي يختلف معها، وابتعاده عن الأحكام المتسرعة والقاسية حيال الآخرين، واستيعابه لثقافة عصره، فيما يتصل بأثر الاستبداد والحكومات الشمولية في انحطاط البلدان، ورؤيته المدنية للدولة، وقيام نظمها وتدبيراتها على ما راكمته الخبرة البشرية، والتفكير خارج المدونة الفقهية في قضايا الدستور، وضرورة وجود برلمان، وانتخابات برلمانية، وبيان مهام البرلمان في صياغة القوانين، والحرية، والمساواة بين المواطنين، والعدل. يتلخص مفهوم المشروطة في تشكيل الحكومة على أساس دستور، ونظام برلماني، وتقييد سلطات الحاكم في اطار القانون. وكان الكاتب العثماني نامق كمال من اوائل من استخدم، تعبيرات الدولة المشروطة" دولة مشروطة" والإدارة المشروطة "ادارة مشروطة" في كتاباته في القرن التاسع عشر، وهو يعني بذلك الحكومة الدستورية غير المستبدة. وكانت مثل هذه الحكومة توصف لدى الكتاب العثمانيين في ذلك العصر، بتوصيفات من قبيل: " مقيدة" و"معتدلة" و"محدودة".والقيد بمعنى الشرط، والمحدود هو المؤطر بحدود، اي بشروط. ويعتقد الدكتور عبد الهادي الحائري ان هذه الكلمة وفدت من التركية، وأول من استخدم مصطلح المشروطة باللغة الفارسية، هو ميرزا حسين خان سبهسالار سنة 1868 حين كان سفيرا لايران في الامبراطورية العثمانية، اذ وردت هذه الكلمة في بعض ال
أزمنة التحديــث فــي إيـــران (1800- 1979)
نشر في: 3 أغسطس, 2010: 05:55 م