عبد الحليم الرهيميكان صدور صحيفة (المدى) في مثل الظروف التي صدر فيها عددها الأول هو أقرب الى المغامرة التي كانت، ربما، مغامرة محسوبة للناشر والكادر، لكن ليس كذلك بالنسبة لآخرين.فبين عشرات.. ثم مئات الصحف الورقية التي صدرت بعد التحرير والتغيير في 9/نيسان/2003 أطلقت (المدى)
عددها الأول الذي بدا واعداً في الاستمرار والتقدم ومواصلة الإصدار من دون توقف.. ثمة من كان يراهن على نجاح (المدى) في تدشين حقبة جديدة من تاريخ الصحافة العراقية في مرحلة التغيير والتحول الديمقراطي.كانت الانطلاقة الواعدة لـ(المدى) قد عقدت رهانها على ملاءمة الوضع السياسي الجديد وإطلاق الحريات العامة وحرية التعبير، وفي مقدمتها حرية الصحافة والإعلام، وعدا ذلك أنعقد الرهان على الكادر المهني الدؤوب وصاحب الخبرة.غير ان هذه العوامل الموائمة والمساعدة لوفاء (المدى) بوعدها كانت ترتهن أيضاً بمعوقات كثيرة، منها حداثة التجربة وفتوتها، ومنها انتشار الصحافة الالكترونية، وكذلك انتشار القنوات التلفزيونية الفضائية والأرضية التي انصرف الى الاهتمام بها قطاع كبير من المجتمع، مفضلاً إياها على الصحافة الورقية.كان الاستمرار في الصدور وعدم التوقف واحدة من المميزات التي تميزت بها (المدى) مع عدد قليل من الصحف، حيث توقفت عن الصدور عشرات من الصحف والمجلات الأخرى التي لم تحظ بأي قدر من المبررات لصدورها، فضلاً عن انعدام المهنية لديها.وإذا كان استمرار (المدى) في الصدور ميزة مهمة لها، فإن الأهم هو تمييزها بالمهنية التي لا يبالغ المرء في اعتبارها المهنية العالمية، في حين تميزت صفحتها الأولى اليومية باختيار العناوين الهادئة التي تبتعد عن الإثارة غير الموضوعية وعدم الوقوع في مطب مقولة (الجمهور عايز كدة)، فإن التقارير والتحقيقات في صفحاتها الداخلية ظلت تتسم بقدر مهم من المهنية وتقديم المادة التي يتطلع القراء الى الإفادة منها، كذلك وضعت الملاحق الأسبوعية ونصف الأسبوعية (المدى) في موقع متقدم بين الصحف التي تصدر ملاحق مشابهة، فملاحق (المدى) المتنوعة في موضوعاتها وملفاتها كانت تضيف في معظمها مادة ومعلومات مهمة الى نخبة من قرائها، فضلاً الى شرائح واسعة من القراء تبعاً لاهتماماتهم بكل ملف.لقد تطلبت عملية التغيير والتحول الديمقراطي في العراق منذ نيسان/2003 إعلاماً حراً ومستقلاً كأحد شروط ومقومات هذا التحول، لكن هذا الطموح أصبح يتطلب مع تطور التجربة الإعلامية للسنوات المنصرمة أن يكون الإعلام أكثر مهنية وأكثر موضوعية.لقد كانت (المدى) تعبر عن طموحها بان تكون أحد المساهمين في تحقيق هذا الإعلام.. فهل نجحت في تحقيق هذا الطموح مع عدد آخر من الصحف ووسائل الإعلام؟ لا شك في ان كثيرين سيجيبون بالإيجاب.
المدى.. حصاد النجاح
نشر في: 4 أغسطس, 2010: 06:23 م