بغداد / علي عبدالسادةتنظيمُ القاعدةِ في العراق يغير نمط عملياته هذهِ الايام، العقلية الجديدة التي تدير الامور فيه بعد مقتل ابرز قيادييه تتقن، على ما يبدو، فنَّ التوقيتات، وهو ما يستدعي اعادة ترتيب اوراق الامن العراقي. امس الاول، وبينما كان الفرقاءُ يبثونَ رسائلَ "الاخفاقِ"
الى الشارع بشأن حكومةٍ مرتقبةٍ عصيةٍ على الولادة، وقادةُ الامنِ يدرسون خيارات الدفاع ووقفِ التدهور، يعترفُ التنظيم بجريمةِ الاعظمية (الخميس الماضي) بشكلٍ "درامي" و"يسقِطُ" سيطرةً رسميةً للجيش ويرفعُ في "حرمها" علمَ دولة العراق الاسلامية، فيما يشهد سوق الكوت الرئيس انفجارين بعبوة وعجلة ملغومة خلفت ضحايا اغلبهم من المدنيين. هذا النشاط الارهابي المتنوع ما بين الاعلامي والعسكري تم في يوم واحد. فبعد وقت قصير من سقوط قذائف المورتر في حي المنصور ببغداد فجر الثلاثاء هاجم مسلحو القاعدة نقطة تفتيش؛ رصاصات من اسلحة كاتمة كانت كافية ليلقى افرادها حتفهم، ويختتم المسلحون هذه العملية بنصب علم اسود يمثل دولة العراق الاسلامية. ثمة رسالة جديدة للقاعدة في كل هذا: التنظيم يدون اسمه في الحدث اليومي العراقي بطريقة متصاعدة وصولا الى موعد الانسحاب، وهذا يدعو، بحق، الى القلق، تنفيذ العمليات اتسم بالدقة فيما جُعِلَ التكتيك صالحا لان تلوكه ماكنات الاعلام بسلاسة. ويجري هذا في وقت عصيب على اكثر من صعيد، الامريكيون يوضبون الاغراض والعراقيون حائرون مازالوا يفتشون عن حل لازمة ارهقت العملية السياسية. التوقيت "القصدي" من القاعدة لا بد وان يدفع العراقيين الى التفكير مليا بـ"قاعدة ما بعد الانسحاب". يقول البيان الذي بثته مواقع متشددة ان المسلحين قطعوا، اولا، اوصال مدينة الاعظيمة بقطع الطرق المؤدية اليها لعزلها، ومن ثم اسقطوا نقاط تفتيش قالوا انها الاكثر تحصينا في المنطقة، وفجروا، لاحقا، العبوات الناسفة التي اصطادت دوريات الدعم العراقية. بيان غزوة التحدي يقول البيان ان العملية بدأت بعد منتصف نهار الخميس عندما باغتت مفارز الاقتحام اربع نقاط تفتيش رئيسة ممتدة من ساحة عنتر الى نهاية شارع عمر بن عبد العزيز الذي يخترق وسط مدينة الاعظمية. هكذا انسحبوا بعد عملية دامت نصف ساعة فقط قبل ان يطلقوا على كل ما جرى اسم "غزوة التحدي الجديدة". نصف ساعة في الميدان ستأكل من الاعلام الكثير وسترمي على القيادات الامنية العراقية ثقلا جديدا، اذ عليهم التفكير بطرق دفاعية جديدة. ويخشى اغلب المحللين، الذين تحدثت معهم (المدى) امس الاربعاء، من قدرة التنظيم على اثبات نفسه في اي وقت يشاء وفي المكان الذي يريد، وعلى ما يبدو فانه يضرب، في اختياراته، اماكن حساسة في الستراتيجية الامنية العراقية. وربما تعضد تفجيرات الكوت هذا الزعم، اذ يمكن القول ان الحادث يفيد بقدرة منفذيه على الوصول الى اي مكان، وبالفعل فان ضرب مدينة مستقرة مثل الكوت يلفت الانتباه. حتى ان المحافظ صرح امس الاربعاء بان القاعدة وما اسماهم "ازلام صدام" يقفون وراء كارثة السوق.ومن المهم قراءة اسم عملية الاعظمية وما تحمله مقولة "التحدي" في الادبيات الجديدة للقاعدة، انها تكشف عما يدور من نقاش وجدل داخل التنظيم بعد ضربة البغدادي والمصري، وما كان لهم الا ان يشرعوا بتحد جديد مع السلطات العراقية، على الاقل لتعويض الخسارات. ورغم ان الناطق باسم عمليات بغداد يقول ان القاعدة تستغل الازمة السياسية، وانها تريد زعزعة الامن مع قرب موعد الانسحاب، فان نمط القاعدة في تنفيذ العمليات الارهابية يتخذ اشكالا جديدة اقل ما يقال انها متقنة وسريعة كما روت التقارير الصحفية التي ساقت تفاصيل شريط عملية الاعظمية. ويؤاخذ المختصون في الشأن الامني الخطط الامنية التي تتخذها السلطات الامنية العراقية كونها تأتي كرد فعل لتحركات وخطط تنظيم القاعدة، بينما يشعر الشارع العراقي بالقلق من الايام التي ستلي موعد الانسحاب. في المقابل يجري الاستعداد لموعد الانسحاب من جهة القوات العراقية على قدم وساق، اذ تنشغل الوحدات العسكرية بالتدريب على مواجهة الاخطار الاهاربية، ويستعد ضباط وطواقم وخبرات في مجالات امنية مختلفة للتخرج من دورات اقيمت في مدن عراقية مختلفة. وبهذا سيكون الجهاز الامني العراقي قد فعل ما يترتب عليه، ويبقى ان تراجع القيادات الميدانية خططها وهي تواجه تنظيما ارهابيا يجيد تغيير اداوره وتطويرها. وان تعاود مبادراتها الهجومية دون ان تبقى خلف الاسوار والحواجز بحجة الدفاع والحماية.لكن الازمة الحقيقية، وما يعيق التقدم في مجال الامن هو المناخ السياسي المتأزم والاخفاق في التوصل الى حلول مشتركة بين الفرقاء، وهو ما يجعل البلاد صيدا سهلا للقاعدة ولبقية التنظيمات الارهابية، قوة الخطط الامنية ونجاعتها وبراعة القوات الامنية وتمكينها من السيطرة على الارض ومسكها لن تكون مجدية في حال استمرت ازمة الساسة ومعضلة حكومتهم.وهنا يكون الخطر اكثر مدعاة للقلق في حال انسحبت القوات الامريكية، او كفت عن مهامها القتالية نهاية اب الجاري، سيكون على العراقيين الاستعداد لمواجهة من نوع جديد انها مواجهة مباشرة
عراق ما بعد الانسحاب.. القاعدة تتربص ..العراق يستعد
نشر في: 4 أغسطس, 2010: 08:49 م