ياسين طه حافظ في الوقت الذي تقدم فيه الماركسية نصوّراً للاصلاح الاجتماعي، المحلي باتجاه العالمي (الاممي)، وتُلزم الافراد على الانضمام الى "الحشد" لانجاز البناء، يسحب الغرب البراغماتي الفرد من الحشد، يمنحه "الحرية"
في تصور المجتمع على طريقته وفي مدى من الحركة يمنح "الفرد" ، فيه رضى "روحيا"..ولاشك بان هذه انعطافة تاريخية من حيث الاهتمام بفردانية الذات. ولاشك أيضاً بان هذه اعادة بالإنسان الى المدى الاول، او البدائي، في الحركة والنيل والتصور والوجود، وان كانت العودة ضمن "غابة" الحضارة المزدحمة والمعقدة. ولذلك فنحن في هذا الزحام والتعقيد لا نظل بذلك الزهو، الذي لا حصيلة وراءه. هو بالتأكيد زهو مبهج، لكن اساسه "العلمي" افتراضي" يرتبك أمام التساؤل: هل نستطيع التمتع بهذه الحرية وسط تشابك المصالح والمصائر والضرورات المتفاقمة بعد التكنولوجيا؟ قدْرَ ما يُفرح التلويح بالوصول، نحن لم نبتعد عن يوتوبيا نظريةٍ فيها شيء من المثالية، فيها مسحة أخلاقية مسيحية وفيها رغبة مُضْمَرَه في التحرر، رغبة حذِرهَ بالتأكيد..الحجة التي يعتمدها الفكر اللبرالي عموما، هي انهم يرون الاقناع عن طريق الاستدلال والحكمة لا عن طريق القوة "والعنف" وفي هذا شاعرية وارضاء أخلاقي، لكننا، للاسف لا ننجز به عملاً حاسماً. الحكمة هنا في اصطحاب هذا المضمون لكن ليس في الاعتماد عليه.. نعم، يمكن اعتماد هذا، او تصديقه، بعد انجاز مراحل التحولات الحضارية، بالنسبة للفكر الغربي الرأسمالي، وبعد تجاوز الاشتراكية واكتمال آخر مراحل الشيوعية بالنسبة للفكر الماركسي. وفي الحالين نحن على مبعدة كبيرة من زمن التحقق، "الافتراضي" أيضاً!وإذا كان من ميزة لأحد الاتجاهين فلأننا نجد في احدهما مرتكزاً يمكن اعتماده في الحديث الايجابي. وهو البحث عن مسعى واقعي تعتمد فيه "الكونية" على تصور طبيعة إنسانية مشتركة. وفي هذا مفترق خطير فهو اما ان يكون وهماً و سلبية من بقايا التنوير وروحية مجتَزَأة من الخطاب الديني، واما ان يتخذ شكل نضالٍ شعبي إنساني، ليس مستبعدا ان تلتف عليه الانظمة الشمولية وتوظفه في تسخير الجماهير ومصادرة القسم الذي حققته في عقود من السنين بقرار انحرافي تدفع الجماهير ثمنه من مستقبلها فضلا عن خسارة ماضيها النضالي الدامي. وهذا تماماً ما شهده القرن العشرون في اقطار عديدة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. المشكلة هي ان الشعوب لا تمتلك طريقا عمليا آخر غير هذا الغمار الصعب المحفوف بالانحرافات والتواطؤات والارتداد. والذي ترفضه "الاخلاقية" الاولى. ذلك الاتجاه الذي يتمتع بجمالية ويفتقد امكان العمل او التطبيق. المفترق الصعب، العقلي والعملي هذا سببه اننا ورثة ثقافات تاريخية، وهي ثقافات هيمنة ومصالح. اننا نواجه تراكمات قهر لم يعد الإنسان المعاصر قادرا على احتمالها. والحل الوسط، الذي يتزعمه اقطاب التجرد الفكري والمعرفة الخالصة، انهم لايضعون هذين المنطورين في اسناد العلم، لانهم يعلمون بان العلم والتكنولوجيا في صالح التحرر آخر الامر. وما يبدو من ان المشكلة الاساسية في الاخلاق والسياسة انما هي في للبحث المستميت لايجاد طريقة للتوفيق بين حاجات الحياة الاجتماعية والحاح الرغبات الفردية. هنا خداع كامن. لان الحاكم فرد وصاحب المصنع فرد مثلما المفكر فرد. اذن مسألة الحاجات الفردية ذات حدين، احدهما مميت. واذا اخذنا بالرأي القائل "بحكم القانون لحماية المجتمع" فالقانون يدعمه الدين إذ يقرر الدين ان العصيان كفر. معنى هذا ان التمرد كفر والثورات كفر ونعلم أن نفوذ الكهنوت في كل العصور هو الموجّه للقانون الاخلاقي.وهنا يصبح الحكام العلمانيون انفسهم لحد ما خاضعين للقانون في الحياة الدنيا والمكافآت والعقاب في الحياة الآخرة في حين لا ثواب لمن يثور ولمن يعصي من ابليس الى جيفارا! ومعلوم ان بدايات الارتياب في هذه المقولات" لم يبدأه "كانت" اللبرالي الحر ولكنه هيجل الذي حدد النتائج السياسية لذلك وهو اول من ارتاب.لقد اعتاد احفاد الدين والفضيلة والاخلاق ونقاء الضمير وهم (شركة "المثال" واولاده المحدودة...) ان يعترضوا بان التقدم العلمي ومعه حركات الشعوب قد تحقق انجازا اجتماعيا في بعض الحقول ولكن الوضع سيظل مبهما بالنسبة للفضيلة!وهو تفكير محترم ولكن لا نراه منزها من الغرض والا فهو منزه من الذكاء! فهل يعقل ان يحصل تقدم في الحياة والعلوم ويتوقف التقدم في التربية؟ لماذا؟ هل سيتوقف العقل البشري في هذا الجانب؟ ان رفض هؤلاء لايتوقف على هيجل وماركس من بعده، ولكنه تعدى ذلكما التفكيرين الى رفض الجانب العملي من البراجماتية اعني التجريبية ونتائج التجريب. والسبب ان هناك تقاربا، ولو محدودا، مع الهدف الاجتماعي، وهذا ما استوقف "روزين"، تلميذ جون ديوي، فهذا الامريكي الذرائعي اضطر للقول بصحة رأي اليسار: "اليسار الثقافي محق باصراره على العلوم الإنسانية والاجتماعية، فهي على الدوام مسيّسة بطريقة او باخ
أما نزال بحاجة إلى.. ثقافة اليسار؟
نشر في: 8 أغسطس, 2010: 06:34 م