TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مقاهي بغداد في رمضان

مقاهي بغداد في رمضان

نشر في: 14 أغسطس, 2010: 05:40 م

لطيف حسن لم يتعرف الناس البسطاء في مدن وأرياف العراق (عدا مراكز المدن المهمة) في أواخر الدولة العثمانية على المسرح ، ولم يكن العراق يملك النوادي الثقافية والاجتماعية بالمعنى الذي نعرفه الآن حتى بداية منتصف القرن التاسع عشر ، وكان العامة يتسلون في اوقات فراغهم في المقاهي والخانات ، إما لتصريف المصالح فيما بينهم ،
 او للتسلية ، اقصد بالعامة هنا الرجال بالتحديد في مجتمعنا الذكوري الذي كان يغلق ابواب ومنافذ اللهو العام على النساء ، و كان يمنعن من الخروج وحدهن بدون محرم الى الشارع او لزيارة الاقارب والجيران بدون سبب اضطراري موجب (المرض أو الموت).وقد اشتهرت بغداد بكثرة مقاهيها وخاناتها العامرة، وقد وصفت بغداد و المدن العراقية آنذاك ، كما ذكر على الوردي ، بأنها اكثر مدن العالم في عدد مقاهيها وخاناتها نسبة لعدد سكانها ، ويصف السياح الغربيون الذين شاهدوا بغداد في تلك الفترة للدلالة على كثرة مقاهيها ، بأن هناك بين كل مقهى ومقهى ، يوجد مقهى .ويعتبر يعقوب سركيس ان اول مقهى اسس في بغداد كان في عهد الوالي (جغاله زاده) صاحب الخان المعروف (بخان جغان) وذلك في عام 1586 ومكانه الآن قرب المدرسة المستنصريةكانت هذه المقاهي والخانات في البداية لايرتادها للهو الا المستهترون وطلاب اللذة ، وبنيت ( الخانات منها تحديدا في عصور اسبق من العصر العباسي بكثير ) كمراكز تجارية و لسكن واستراحة الأجانب من التجار والغرباء المارين الذين ينزلون في هذه الخانات للمكوث المؤقت فيها والاستراحة، ولتفريغ حمولتهم فيها وتصريفها بالجملة.وكان من عادة اصحاب المقاهي استخدام الغلمان الحسني الطلعة لتقديم القهوة والمشروبات الى الزبائن ، و كانت تعزف في هذه المقاهي الجوق الموسيقية الغنائية التي كانت تسمى ( بالجالغي ) وكانوا في البداية يكيفون مكانا في المقهى الى ما يشبه خشبة المسرح سمي (بالتخت) نسبة الى مصاطب المقهى ( التخوت ) التي كانت عريضة ومتينة تجمع كل اثنتين منهما مع بعض وتستخدم كمنصة ، يجلس عليها العازفون ومغني المقام او البستة ثم اصبحت كلمة (التخت ) تعني الجوقة الموسيقية والكورس ، ويذكر يوسف العاني عن هذه المقاهي في ايامه انه لم يكن مسموحا للشباب ارتياد المقهى الا بعد ان تظهر لحاهم .كان المقهى هو المكان الوحيد الذي يجمع البالغين من الرجال في اوقات فراغهم ، فإضافة الى انه كان مكاناً لتبادل الاخبار وقضاء الوقت واللهو ، و اللقاء بالاصدقاء ( الزكرتيه) العزاب الذين كان من المتعذر في ذلك الوقت دعوتهم الى البيت الذي فيه حريم .والمقهى ايضا كان مقرا لتصريف وتنظيم وتنسيق الاعمال فيما بين التجار او الحرفيين او حتى اصحاب الهواية الواحدة ، وكان يجتمع في هذه المقاهي رواد من نوعية واحدة ، كأن يكونوا من صنعة وحرفة واحدة ، وكانت المقاهي تسمى باسم روادها كمقهى التجار ومقهى البناية ومقهى المطيرجية ، وكانت هذه المقاهي تتنافس فيما بينها لجذب الزبائن اليها باستئجار المغنين وقراء المقام المعروفين في ذلك الزمان ، والقصخونية رواة الحكايات والقصص والملاحم الشعبية ، وكانت تقدم بعضها عروض ( القره قوز ) و( خيال الظل )، وتختص بعضها في اقامة مباريات صراع الديكة والكباش ، وقسم آخر منها يملك الجفر لالعاب الزورخانة ، وتنشغل جميع هذه المقاهي في سهرات ليالي رمضان بلعبة ( المحيبس) الشعبية . هكذا كان حال المقاهي في العراق حتى بداية القرن الماضي ، الا ان بعض هذه المقاهي ( لاسيما في منطقة الميدان في بغداد ) طورت عروضها وما كانت تقدمها للزبائن على غرار ماكان موجودا في حلب وايران من ملاهي , فاستقدمت راقصات ومغنيات من سوريا ولبنان ومصر ، وكان هذا الاستقدام يعتبر تحولا نوعيا في الاخلاق الاجتماعية العامة ، وإقبالا منقتحاًُ على فنون كانت ممنوعة علنا باعتبارها من المفاسد والكفر . وتحت تأثير هذا التطور الاجتماعي ، غيرت هذه المقاهي شكل بنائها بحيث وفرت في المقهى اماكن خاصة للرقص أشبه بخشبة المسرح سميت ( بالمرقص) وتحول بعضها فعلا الى ملهى ، مثل مقهى سبع في الميدان ، الذي تحول اسمه الى ملهى سبع .يقول عبد الكريم العلاف انه كان اول مقهى اقيم فيه مرقص هو (مقهى سبع) الواقع في الميدان وكان ذلك في عام 1907 ، وجاء سبع بالغلمان المخنثين الذي يسمى الواحد منهم بالعامية (شعار)... ، لربما جاءت التسمية من انهم كانوا يطيلون شعور رؤوسهم ويزيلون ويحفون الشعر عن وجوههم وسيقانهم كما تفعل النساء ، ويلبسون الفساتين النسائية .ويؤكد معظم المؤرخين انه لم تصعد على المرقص في هذه المقاهي امرأة إلا في عام 1908 ، عندما قدمت الى بغداد من حلب راقصة يهودية تدعى (رحلو) بنت فريدة العراطة الملقبة (جرادة) بدأت ترقص في (مقهى سبع) ، ثم بدأ ت باقي المقاهي تقلد مقهى سبع بجلب الراقصات والمطربات للعمل في مراقصها من الشام ولبنان ومصر .و توالت فيما بعد المقاهي التي وفرت فيها منصات الرقص ، على شاكلة مقهى سبع ، كمقهى العزاوي ومقهى السواس وغيرها من المقاهي .جرى كل هذا التطورفي مجال اللهو في بغداد ، قبيل قيام الحرب العالمية الاولى ، وبقي لفترة طويلة هو المعبر عن مفهوم ( الشانو) او نمر الفودفيل التمثيلية الهزلية المسماة ( بالاخباري ) وهو من فنون الشارع الشعبي الذي انتقل ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram