باريس/ يوسف المحمداويزرت في العام 2006 متحف دوكالي بساحة سان ماركو في مدينة فينسيا، وكذلك قصر الحكم القديم أو ما يسمى بقصر الدوق، وحظيت أيضاً بزيارة متحف الزجاج الملون في جزيرة مورانوا التابعة لمدينة البندقية، وتلتها زيارة أخرى الى روسيا في عام 2007 نعمت بها بمشاهدة مقتنيات متحف الارميتاج في مدينة سان بطر سبورغ الذي يعد أحد أهم المتاحف العالمية لعمقه التاريخي وثراء وعلو مقتنياته،
 ولكن ما شدني الى اللوفر عن بقية تلك المتاحف، كونه خصص ثماني صالات عرض في قاعة خاصة لآثار حضارة بلاد ما بين النهرين، هذا من جانب وهو الأهم بالطبع، ومن جانب آخر حظيت بصحبة مترجمين رائعين هما العراقي نبيل العزاوي واللبنانية باسكال عبد الله ليكونا لسان حالي في كل ما أبوحه لكم عن رحلتي مع المتحف.دوائر إحصائية لأعداد الحيواناتدخلناه من تحت الهرم الزجاجي مخترقين قاعة نابليون التي تضم المكتبات، مصرف معلومات، مقهى ومطعماً، أكشاكاً لبيع الكتب والبطاقات البريدية والتحف التذكارية.استقبلتنا إحدى موظفات المتحف التي ترافقها مرشدتنا للرحلة والتي سارعت بإلقاء تحيتها قائلة: اسمي ويمائيل ماهو متخصصة في عالم الفن واعمل كدليلة ترافق الوفود في اللوفر وبقية المتاحف الفرنسية، وسأقوم اليوم بتقديم عرض لكم عن قسم القطع المعروضة في قاعة بلاد ما بين النهرين.تقول ماهو: تطورت الثقافات في بلادكم بالألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث تواجد المدن التي يترأسها الأمراء والملوك، وغالباً ما كانوا يجمعون ما بين السلطة الحكومية والدينية، لذا نرى دائماً لا يخلو قصر الحكم من المعبد وكانت أنظمة الحكم فيها متوارثة ويرافق ذلك العرف السائد توارث الكتابة أيضاً من أجل توثيق الحوادث والأمور التي تشهدها المدن في فترات حكم آباء وأجداد أولئك الملوك، موضحة: أن من الأمور المثيرة للإعجاب انه في عام 3300 قبل الميلاد كانت هناك أنظمة للحسابات وتنظيم إدارة الدولة، فضلاً عن وجود دوائر إحصائية ليس للسكان فقط، وإنما حتى للحيوانات الموجودة في كل مدينة.rnصداقة عدنان لعدنان خدمتني جداًوكذلك إحصائية للمنتوج  الزراعي الوارد في كل موسم حصاد، هنا ابتعدت عن  دليلتنا ودخلت الكرادة مقترباً من وزارة تخطيطنا أبحث عن باب واحد وليس بابين أجد فيه ضالة سؤالي عن عدد سكان العراق من البشر وليس من الحيوانات، ونحن في القرن الحادي والعشرين ليأتيني الجواب من الشباك كما توقعته وليس من الباب، نحن ما زلنا نعتمد على البطاقة التموينية في مسألة التعداد السكاني ومعرفة عدد العراقيين، حينها سألت نفسي وأجبتها على ماذا اعتمد البرلمان العراقي في زيادة عدد نوابه من 275 الى 325؟ وكان الجواب للسيولة النقدية أحكام وأختام جاهزة لدفع تجربتنا الديمقراطية الجديدة نحو الأمام وتذليل الصعوبات التي تحاول أن تعيقها كافة.تذكرت قبل مجيئي الى باريس وصية صديقي الناقد والإعلامي عدنان المنشد، إذا ما نويت الذهاب الى متحف اللوفر لابد من أن تلتقي بالشاعر العراقي عدنان محسن المقيم في باريس منذ ثمانينيات القرن الماضي، فهو يعمل ضمن الفريق الإعلامي بالمتحف وسيسعفك بالمعلومات التي تخدمك في كتابة اليوميات، وفعلاً سألت عنه في تلك الزيارة وللأسف لم أجده ولكني اتصلت به فيما بعد وكان أكثر روعة وصدقاً مما وصفه لي صديقه العتيد عدنان، سواء في تحمله لإلحاحي في طلب المعلومات واجتهاده وإهدار وقته لتزويدي بكل ما طلبته منه.rnلغة من ألف حرفوتستطرد الدليلة حديثها وباسكال اللبنانية الأصل والسومرية الملامح والفرنسية الإقامة تقول: يجري التعداد ضمن فترات زمنية محددة، ويؤشر على الأعداد بعلامة مثل الخرم، وكل خرم يمثل عدداً معيناً من الحيوانات، لكن هذا الأمر أصبح أكثر تعقيداً لهم بسبب وجود ألف حرف أبجدي مستخدم في لغتهم آنذاك، لكنهم انتبهوا الى ذلك  واستطاعوا تقليصها بالتدريج الى (300) حرف، وهذا ما ساهم بشكل كبير في خدمتهم، وكذلك قدم علماء الآثار في فهم ثقافاتهم والإطلاع عليها بصورة دقيقة وواضحة.مشيرة الى وثيقة معلقة على أحد الجدران تقول: هذه أقدم وثيقة تاريخية تعود لتلك الفترة وهي تحاكي قصة حرب دارت بين الملك لكش واحد ملوك مدينة أخرى بسبب محاولة المملكتين السيطرة على نهر يفصل بين حدودهما، وأنت تنظر الى الوثيقة الحجرية ترى عقبان في أعلى الحجر وتشاهد الملك وهو يرتدي لباساً من جلد الماعز وخوذة رأس تحتها شعر الملك الملفوف على شكل ضفائر، فضلاً عن شعر يتدلى على متن الملك وكأنه مربوط مع الشعر الملفوف تحت خوذته، وتراه وهو جالساً بعربته ويلحق به جيشه حاملاً السلاح، وترى بوضوح جثث ضحايا المعركة وهي متناثرة في ساحة المعركة.وتشير دليلتنا الى أن تلك الكتابات المنقوشة على الحجر تؤرخ لنا حقيقة ما حصل في المعركة وأسباب نشوبها.rnخشية على بغداد أن يصيبها ما أصاب أكدوفي الجهة الثانية من الخريطة الحجرية تشاهد الأسطورة التي يؤمنون بها وهي صورة للإله الذي يعبدونه ويحمي لكش، وهذه القطعة الأثرية يعود تاريخها الى عام 2400 ما قبل الميلاد للملك الأكدي لكش، علماً- والكلام لدليلتنا- أن مدينة أكد القديمة والى يومنا هذا لم يستطع علماء الآثار تحديد موقعها الحقيقي، وأنا انظر الى حجر مشهد حرب لكش تذكرت حروبنا وقلت: أكد حاربت من أجل الماء، فعلى ماذا.. ومن أجل ماذا ن