علي حسين شعرت بالسعادة وانا اتطلع في وجه الدكتور داود سلوم يملؤه الرضى والفرح وهو يتصفح النسخ الاولى من كتابه حكايات بغدادية الذي كان آخر نتاجاته واحدث مطبوعات دار المدى ،كان شعوري بالسعادة نابعا من ضخامة العمل الكبير الذي قام به الدكتور سلوم ،
 وأيضاً من إصراره وهو في هذا السن( 82 عاما ) ويعاني من مشاكل صحية، على انطاق المسكوت من التراث الشعبي من خلال دراسات فكرية جادة وايضا من خلال حرصه البالغ على مواجهة العديد من العقبات التي تحول دون نشر هذا التراث. عندما مضيت في تامل وجة الدكتور داود سلوم تداعت في ذهني ثلاثة من المعاني التي يسجلها هذا الرجل في تاريخ الثقافة العراقية ، وهي معان متداخلة لايمكن فصل واحدة منها عن الأخرى لأنها معان متفاعلة كاشفة في تبادلها عن الأثر والتأثير وأولى هذه المعاني ترتبط بتعدد مجالات الكتابة الابداعية بمعناها الواسع الذي لا يقتصر على تحقيق كتب التراث وانما شمل دراسة الادب العراقي والاهتمام بالتراث الشعبي إضافة الى إضفاء لون من الدراسات الأدبية جمع بين الدراسة الاجتماعية والمنهج التاريخي ، ولعل نظرة شاملة لمؤلفات سلوم والتي تجاوزت الأربعين مؤلفا سنجد هذا التنوع الذي يغني ويعمق مجال الدراسات النقدية في الأدب العربي  فمابين "تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي ومرورا بدراسة شعر الكميت بن زيد الأسدي" وتسليط الضوء على "النقد المنهجي عند الجاحظ" و"قصص الحيوان" و"اثر الادب العربي في تراث العالم" و"الجاحظ  منهج وفكر ومحاولات دراسة الحكاية الشعبية العراقيةمن خلال العديد من الكتب كان اخرها حكايات بغدادية "والاعتناء بدراسة الادب العراقي من خلال كتب حملت العناوين  "تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي"،و"الأدب المعاصر في العراق"،و"مقالات عن الجواهري وآخرين"والمرأة في حياة السياب"الى الاهتمام بدراسة تطور النقد العربي عبر كتب عدة أبرزها  "تاريخ النقد العربي من الجاهلية حتى نهاية القرن الثالث"،و"التأثير اليوناني في النقد العربي القديم"، و"دراسات في الأدب المقارن التطبيقي"،و"مقالات في النقد الأدبي" و"مقالات في الأدب المقارن" و"اثر الأدب العربي في تراث العالم.وثاني هذه المعاني يتصل بالتنوع في اطار الوحدة التي تصل بين أفرع الإبداع ومجالاته ومهما تعددت اوتباعدت فالاصل في الفعل الابداعي عند سلوم هو طاقته الخلاقة التي تجمع مابين التراث والمعاصرة. اما ثالث المعاني التي تداعت في ذهني وانا انظر الى داود سلوم فيرتبط بالطريق الطويل  الشاق الذي قطعه الراحل الجليل على مدى ما يقارب ستة عقود في مجال الكتابة في عزم ومثابرة لايمكن لاي مؤرخ منصف لتاريخ الأدب العراقي الا الوقوف أمام قدرة هذا الرجل بما انجز وما حقق وما فتحه من ابواب مغلقة في الدراسات المختصة بالأدب الشعبي والأدب المقارن.ولعل عقلانيته النقدية اول مايجذب القارئ إليه ، فقد كان الراحل يضع كل شيء موضع الفحص الدقيق ولا يقبل شيئا على علاته باحثا عن العلاقات  السببيه في كل ظاهرة أدبية،  ولعل دراسته الشهيرة عن السياب وعلاقة المرأة بشعره نموذج للدراسات النقدية التي تدرس الظاهرة الحياتية وتأثيرها على الأدب ، ومدى تفاعل الأديب معها ، كما ان دراسته عن الجواهري تعد اليوم واحدة من ابرز ما كتب عن عنفوان هذا الشاعر واثر البيئة التي عاش فيها على مجمل نتاجه الابداعي.لقد كانت الدراسات النقدية المجال الذي عني به الراحل حتى اللحظة الأخيرة من حياته ، باحثا فيه عن كل مايشبع ميوله الادبية في التامل والتحليل ،وكما كان منهج الادب المقارن هو الوجه الاول للمنهج النقدي لدى داود سلوم خصوصا في دراساته التي حاول فيهاالكشف عن أثر اللغة العربية في اللغة السواحلية واليوريا والهوسا واللغة الأندونيسية وعن أثر اللغة العربية في القصص الصينية والهندية، واثر الف ليلة وليلة في الحكايات التراثية الهندية والصينية ،لقد كان داود سلوم من طراز الاساتذة النقاد الذين وهبوا حياتهم للبحث والتأمل مؤمنا بان لاشيء في الحياة اعلى قيمة من الفكر والدراسة وقد لخص هو بنفسه سلوكه في كلمات موجزة ومدهشة: (طريق دراسة الادب والتراث طريق شاق ويحتاج الى ادوات كثيره لابد من اتقانها والصبر عليها لكل من يتصدى لدراسة الادب ، واضيف الى ذلك ان دراسة الادب بالنسبة لي يعطيني البهجة والمتعة وخصوصا عندما يتعلق الامر بالتراث والحكايات الشعبية، ولازلت اعتقد ان الناقد الجيد هو الذي تشغله وتستغرقه طريقة النظر الحديثة  والمقارنة الى الادب).لم يكن هذا العمق بعيدا عن النزعة العقلية التي كان يستخدمها داود سلوم في جلساته وحواراته وخصوصا حين كان يدفع بمحاوريه وجلاسه إلى التفكير في القضايا المهمة المتعلقة بدراسة الادب العربي مشعلا فيهم جمرة التامــل متنــــاولا كل ما يقراه ويسمعه بالتحليل واضعا الاجتهادات النقدية موضع التساؤل، وكان نموذجا للناقد ال