TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > هواء فـي شبك: (كمركوه)

هواء فـي شبك: (كمركوه)

نشر في: 17 أغسطس, 2010: 09:39 م

 عبدالله السكوتيوهذه كناية عما يقتطع غصبا وتعديا ، وسبب هذه الكناية ، تذمر الناس من جور الموظفين الذين انيطت بهم مراقبة البضائع الواردة، واستيفاء الضرائب عليها، وقد كان موظفو الكمرك موضع شكوى عامة من جميع الناس لسوء تصرفهم وفرضهم الكلف الظالمة ، بحيث اصبحت كلمة (كمركوه) عند البغداديين تعني ان يقتطع من الشيء القسم الاكبر غصبا وتعديا،
 وقد احتفظ لنا المؤرخون باخبار عدّة في هذا الموضوع ، منها ماورد في ديوان ابن عنين ،فانه سافر من اليمن الى مصر، فارهقه عمّال صاحب مصر، بفرض الرسوم على ماكان معه، فقال مفاضلا بين الملك العزيز عماد الدين، صاحب مصر، الذي آذاه عماله، وبين الملك العزيز طغتكين صاحب اليمن فقال: ماكل من يتسمى بالعزيز لها          اهل ولاكل برق سحبه غدقه بين العزيزين بون في فعالهما       هذّاك يعطي وهذا يأخذ الصدقة ووصف لنا صاحب المستبصر (ت690 ) كيفية تفتيش القادمين الى عدن، قال: اذا وصل مركب الى عدن، وابصره الناطور، نادى باعلى صوته:هيريا، واشار الى صاحبه، واشار الصاحب الى رفيقه ، حتى يصل الخبر الى والي البلد، فان كان الخبر صحيحا، يعطى للناطور عن كل مركب دينارا، وان كان كاذبا يضرب عشرعصي، فاذا رسى المركب صعد نائب السلطان ومعه المفتش، فيفتشهم رجلا بعد رجل ليصل التفتيش الى العمامة والسراويل والشعر والكمين. ومن اعجب واوجع الوان الكمركة مااورده صاحب تحفة المجالس فقال: اختصم رجلان في شاة، واخذ كل واحد باذنها، فجاء رجل ، فحكماه، فقال: ان رضيتما بحكمي، فاحلفا ان لاتراجعاني فيما احكم به، فحلفا، فقال لهما: خلياها، فاخذ باذنها وذهب بها، وجعلا ينظران اليه ولايقدران على الاعتراض. بقيت ابحث وابحث عما اربط به حكايتي هذه، لكنني عدلت عن البحث ورأيت ان كل حكاية ممكن ربطها بواقع حالنا، لاننا في العراق نمتلك ماضيا ثرا مملوءا بالمنغصات والمشاكل وحاضرا لايقل عنه ان لم نقل زاد عليه بعض الشيء، فالكمركة الان تسير معنا باساليب جديدة وعصرية، اذ انك تدفع دونما تسأل عن اي شيء، في السابق كنا نلعن ونسب في بيوتنا، وتبرد اعصابنا، لاننا نظهر امام اطفالنا بمظهر الابطال، من كان يستطيع ان يأتي باسم ذلك الرجل على لسانه، قاطع الالسنة والرؤوس والارزاق، اما الان فنحن نزدري ونتهكم ولكن دون ان تبرد اعصابنا لانه وحسب اعتقادنا ان هناك (اذن طرشه) لاتسمع مانقول، لنبقى ندفع وندفع ونتسلى ان رأينا ان في تاريخنا مايشابه مانحن فيه، لنحتج انها ثقافة قديمة وقد ايقظتها الفتن التي مرت بنا، ونحلم ان الواقع من الممكن تغييره، لقد صعد نائب السلطان الى السفينة ليفتش الناس، ولكن الان وبحسب التطور الزمني فلايحتاج احد فيه الى ان يفتش السيارات والسفن فالاموال مطروحة في الطريق يراها القاصي والداني، ولايحتاج سوى شيء من الجرأة، لينقض عليها، وفوق كل هذا وذاك ندفع للجان ولجان للسيطرة على النفوس الضعيفة وكأن نفوس هؤلاء اتت من كوكب آخر، ولذا نبقى نقطع فيافي الزمن لتنقضي سنة بعد اخرى ونحن نراوح في مكاننا، الم يفكر احد حين لم يتقدم خطوة واحدة ان يراجع خطواته القديمة ليرى اين يكمن الخلل؟ لقد وصل الكمرك الى بيوتنا بعد ان كان خلف الحدود، وكنت اعرف احدهم حين يأتي من طريبيل التي يعمل بها في التسعينيات، يأتي بسيارة حمل مليئة بالنساتل والعصائر واشياء اخرى، وحين كنت اسأل عن هذا كانوا يقولون (يكمرك).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram