محمود النمر مما لاشك فيه أن الشرق عالم السحر والبهجة والخيال، يحلم زيارته الكثير من الرحالة الغربيين الذين يجوبون العالم بحثاً عن كل ما هو غريب ومثير ومدهش في كل شيء، سواء كان ذلك بالغناء والعشق والشعر والفروسية او الدخول الى الأسواق المزدحمة بالنخاسين والمرابين والسماسرة. الشرق هو قبلة الحالمين إلى الانتماءات الروحية القريبة جداً من الطرق الصوفية.
الشرق يعني النزوح إلى عالم الغيبيات والإيمان المبكر الفطري الذي يأخذك إلى البدايات الكونية التي تطورت وأحدثت كل الروحانيات التي ارتبطت (بقدرة الآلهة) من عشتار وتموز وملحمة جلجامش وحضارة سومر وأريدو وبابل وأكد وفراعنة مصر، لذلك بقي ّ الشرق شرقاً والغرب غربا ً، حتى أصبح كل الذين استشرقوا ممسوسين بالشرق وانسلخوا عن غربهم حتى وإن عادوا إلى بلدانهم ، بقيت أرواحهم طيوراً تهاجر بين الحين والآخر إلى الشرق ، يغمرهم الفرح حين يقرأون ملحمة جلجامش اولى الملاحم التي جسدت ان الانسان الشرقي هو صاحب الحلم الاول الذي اراد بحث كنه الوجود، وحلم بالخلود واراد ان يعرف ما هذا الكون ؟ومن يقف وراء حركة الكون الازلية؟ او ما الحياة ولماذا تكونت؟ ومن الإنسان الأول في الوجود؟ اخذ يطرح الأسئلة على الأسئلة نفسها، الأسئلة المعلقة في كل مكان من هذا الكون الفسيح.ومن هنا بدأ الكاتب المستشرق يبحث عن خفايا الشرق من خلال الشعر والتصوف والملاحم مثلا في (الف ليلة وليلة) التي تخلق ممرات وأنفاقاً إلى عالم الحلم المختلط بأمرين منكشفين هما الحقيقة والخيال، الملك المتجبر الذي يذبح كل ليلة عروساً لم تبلغ الحلم في الفجر، حينما ينادي الملك شهريار السياف ،لتنتهي القصة المؤلمة.حتى تمكنت – شهرزاد – من حَبكة نسيج رواياتها التي امتدت إلى (ألف ليلة وليلة ) وهذا يدلل على أن العقل الشرقي قادر ان يمنح الحياة دفقات من الأمل ويبعثها في الجسد الإنساني الذي يسمى الآن الإرث الحضاري للبشرية.والشرقي الذي يعيش في الغرب يرقص كالغربي ويأكل كالغربي يقرأ بنهم ما يكتبه الغربيون، ولكنه حينما يريد أن يكتب، يقرأ جميع التعويذات وينحرف أمام أية جملة تسيطر عليه وتنحرف به عن جادة الصواب الشرقي ،أنه يعلن فقط شجاعته في غابة الخوف الشرقي ،الترسبات هي وحدها تمد خيوطها وتحركه كشرقي حتى وإن بلغ ثقافة الغرب وامتزج بالثقافة الغربية وأؤكد أن المثقف الشرقي، ليس الإنسان الذي يبحث عن العيش ،كلا اؤكد أن المثقف الشرقي الذي لايزال يعيش هناك. بينما المثقف الغربي ينسلخ عن ثقافته ويبقى يبحث عن صفته الجديدة، حتى يدرك ما الشرق من الألف إلى الياء، والأعجب من ذلك أن المثقف الشرقي يبحث عن مؤلفات الكاتب الغربي التي كتبها عن الشرق، والدلائل كثيرة من البحوث والروايات وحتى الفلسفة، جميع مؤلفات جلال الدين الرومي التصوفية وخاصة في النثر الصوفي ترجمت من قبل نيكلسون وأربري والأعجب من ذلك اختارت منظمة اليونسكو جلال الدين الرومي شاعر العالم لعام 2007 ويعود الفضل في ذلك الى ترجمة توليمان باركس وروبورت بلاي وهما اشهر شاعرين في الولايات المتحدة ،وغنت مادونا بعض كلمات من قصائده ،إضافة إلى استغلال اسمه في البضائع والدعاية لها.أما نثريات الحلاج والبسطامي التي ترجمها – لويس ماسنيون او مؤلفات عمر السهروردي، وكتابات أجاثا كرستي عن الشرق، والبير كامو –الغريب – والعودة إلى الأهوار – كافن يونغ، والقائمة تطول وتطول ،فالكاتب الغربي يغرس ثقافة شرقية عن الشرق وهو في الشرق ،بينما الكاتب الشرقي يتلاشى أمام هذا الإرث الحضاري الإنساني ، سواء كان ذلك في الشرق أو في الغرب ، الايحق لنا ان نطلق التسمية على ذلك (النص الشرقي في العقل الغربي) اليس هما كفتي ميزان غير متعادلتين وتبقيان متأرجحتين وقصور واضح البيان في العقل الشرقي الغني للغرباء فقط؟دع هذا وامض ِ
النص الشرقي فـي العقل الغربي
نشر في: 23 أغسطس, 2010: 05:47 م