TOP

جريدة المدى > هلا رمضان > السماوة : رمضان الأمس .. رمضان اليوم

السماوة : رمضان الأمس .. رمضان اليوم

نشر في: 24 أغسطس, 2010: 05:49 م

زيد الشهيدذهب الزمان وتراكمت الأعوام .. اللحظات تهافتت فأنتجت ذكرى .. لم يعد للذين ركضت بهم السنين عبر محطات الآمال الضائعة والحروب المستهترة غير فسحة من ذاكرة متعبة تعتاش على الجميل من الأيام ؛ على قلتها ... وإن أنت التقيت أحداً من الذين سقتهم الأعوام مُرّها واستعانوا بالصبر على التجاوز والعيش برضا، كمتوالية إنسانية تتوخى البقاء وتهدف لاقتناص غيمة أمل شاردة،
 لن تجد غير حسرة منفلتة لماضٍ تعيس ؛ ولكن توازيها ابتسامة عريضة لمستقبل حتماً جميل ؛ تريد بهاءه لمن يأتي بعدها إذ هي تتصرف بنكران ذات وأمنية حالم  وقور ..وبين الأمس المعتم / الدامس / المدلهم واليوم المنير / المبهج / الباهر يكون لاستخلاص الذكرى من الذاكرة، والحكايا من الأفواه، نكهته المميزة لأنَّ العودة إلى الزمن البعيد تغدو من نافلة التحسر وإطلاق آهة تقول : ضحكنا وكان الضحكُ منّا سفاهةً  وخيرٌ لسكان البسيطة أن يبكوا " غير أن قول المعرّي يوازيه قول : " أنا لا زلتُ أغني / ودمائي عانقت في شجوها الدافىء ألحانَ الوتر / جسدي خارطةٌ كبرى / وأحلامي قمر " للشاعر باقر السماوي .التقيت بعضهم فكان يحدثني بفمِ ٍخسر الكثير من أسنانه وراحت الكلمات تتلعثم بأصوات ومخارج حروف ليست أصواتها ومخارجها . كنت أدرك وأنا أحدثهم أن ضريبة العمر باهظة يجب أن يدفعوها صاغرين مهما أبدوا من اعتراض صارخ واحتجوا بصراخ صامت .رمضان إحدى محطات ذاكرتهم يعودون إليها ليستعيدوا أجواء النهارات وأشذاء الليالي .. وإذا كانت النهارات ساعات عمل مرهقة يثقل فيها خواء المعدة نشاط الجسد، فإنَّ الليليات تستحيل نهاراتٍ من نوع خاص .. ليليات تتناثر في فضاءاتها الألفة ، ويعود الود ، وتأخذ الممارسات الحميمية للتجمعات الإنسانية في أماكن اللقاءات الكثيرة من مثل المقاهي ، قارعات الطرق ومسطحات الأرصفة ؛ كذلك جلسات غرف الاستقبال " البرانيات " وألعاباً تتساجل بين لعبة " المحيبس " و" الدومينو" و" الطاولي " والتسبيح بمسبحات متفاوتة المنشأ، لعل أفضلها وأثمنها والمثيرة للتباهي واقصد بها مسبحة الـ (يسر) والتي تتباهى على الأنواع الأخرى من مثل (باي زهر) و(السندلوس) و (البخور) و (الصدف) و(الفيروزي) . وكان رمضان حلقة الوصل والأثير لدى الجميع : الصائمين وغير الصائمين من رجال ونساء وشباب وصبية . تضج الأضواء في واجهات المحال وتزدحم المقاهي ؛ وتعج الشوارع بخطى تراها افتقدَتها في أوقات الظهاري وأوقات العصاري، حيث ينسحب الصائمون تارة بخواء أجساد أنهكها الجوع، بعد عمل لا يكل وتارة بهمة مَن أبدى شجاعةً في تحمل وطأة الصيام ... المقهى قاموس الجلسات وصفحاتهاكانت المقاهي هي السمة الظاهرة التي تشير إلى الاستئناس في ليالي رمضان ؛ فثمة الكثير من هذه المقاهي تتوزع في السوق الرئيس والأسواق الفرعية والشوارع الرئيسة من المدينة ؛ دثرَ الزمان أغلبها وانمحت الآن من الوجود اللهم إلا في ذاكرتنا نحن الذين أصبحنا شيوخاً بعد أن كنّا نؤمها شباباً، نعج بالطاقة والحبور رغم الفقر . كانت هناك مقهى مطشر جبر على الكورنيش وأصبحت الآن عيناً على اثر، فقد شيدت مكانها المحال والشقق السكنية بطوابقها الثلاثة ؛ وليس قريباً منها مقهى جاسم وهي مقهى كانت تقارع مقهى عبد الله حطحوط الكائنة في شارع مصيوي، وهما مقهيان اعتاد المعلمون ارتيادهما،  وكثيراً ما عاتب عبد الله بعض رواده الذين انفضوا عنه وصاروا من رواد جاسم . وهكذا كان جاسم يفعل .. وفي السوق المسقف كانت هناك مقهى عبد جساب و تصلها بعد ان تلج سوقاً فرعية (قيصرية آل حنوش)، وهي تغذي اصحاب وزبائن دكاكين السوق المسقف وكان عبد جساب يحمل صينة احتوت (قوري) وأقداحاً ويدور ماراً على أصحاب الدكاكين، تماماً كما يفعل الآن أولاد حسين القهوجي في مقهى سوق النجارين .  وأيضاً كانت هناك مقهى حاج حمود في (عجد الخبازات كما يطلق عليه) حيث تتخذ النساء الخبازات العاملات الخبز في بيوتهن مجلساً في مدخل العجد) وهي تقابل مطعم أحمد أبو الكبّة الذي كان يرتاده أبناء المدينة وريفيّوها حيث تقدم الكبّة المسلوقة على خبز مقطع ومداف بالسائل الساخن المستخلص من تسخين اللحم الذي يحشو هذا النوع من الغذاء الدسم والشهي واللذيذ . ومن خرج من مطعم أحمد لا بدَّ أن يدخل مقهى حاج حمود، لتناول شاياً ساخناً يقتل بقايا الدسومة العالقة في الفم ويمنح اللسان ذائقة الحلاوة ... وكان رمضان حاضراً وأثيراً في المقاهي الأخرى . فمقهى كريم فرج التي تدخلها بعد أن تجتاز سوق الحدادين بقيت صامدة حتى اليوم، ولو أن مقاعدها (القنفات) ومناضدها جاء عليها البلى، فبدت متعبة تحكي زمناً كان يمنحها الشباب والرونق والبهاء فسرق منها كل شيء .. وحتى روادها لم يبق منهم إلا الشيوخ وكأنهم يرددون قول أبي العلاء المعري : تحطمنا الأيامُ حتى كأننا  زجاجٌ لا يُعاد له سبكُ  ... ولا يستثنى سوق القصابين من احتوائه على مقهى لأنَّ في وسطه اتخذت مقهى حميد حمزة وجوداً لها تستقبل الداخلين السوق، وترفد القصابين برغبة شهيتهم إلى شاي ساخن، تعقبه سيجارة لها لذاذة بطعم السكر المذاب في الأقداح (أين مقهى حميد حمزة الآن .. يا زمن ؟!) .. وإذا كانت مقهى علي عمّار لشرب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

احمد كاظممناسبة العيد في ضمائر العراقيين لحظة تاريخية فارقة، فبعد عناء شهر كامل من الصوم يأتي عيد الفطر كمكافأة عظيمة للصائمين، ولا يذكر العيد، الا وذكرت (العيدية) والحدائق ومدن الألعاب والدواليب والملابس الجديدة التي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram