د. مهدي صالح دوّايكاتب وباحث(1-2)في إطار البحث عن حلول واقعية للاقتصاد العراقي، لابد من تأسيس رؤى ستراتيجية تحاكي مقومات هذا الاقتصاد، وتواكب تطلعاته المستقبلية، ومبعث هذا الاتجاه، أن الاقتصاد العراقي، ولعقود مضت قد افتقد الفلسفة الاقتصادية الواضحة، نتيجة تداعيات القرار السياسي على مجمل الفعاليات الاقتصادية، لذلك لم يُخضع أداءه الاقتصادي بشكل حقيقي لاختبارات النظرية الاقتصادية، فابتعد عن مزايا التحليل والتقييم لتصحيح مساراته المتذبذبة، وهذا باعتقادنا يمثل جزءا" أساسيا" من المشكلة.
وتشكّل الرؤية المقترحة آمادا" ثلاثة يتدرج بمقتضاها الاقتصاد العراقي من وضع لآخر وفقا" لمتغيرات عديدة تتطلبها كل مرحلة زمنية، وتعمل تلك الستراتيجية في ظل اشتراطات تتعلق بفاعلية المنظومات السياسية والتشريعية والمعرفية في تهيئة البيئة الاقتصادية السليمة، في ظل اقتصاد سلمي، وإرادة ذاتية في إحداث التغيير الايجابي المنشود. أولا" : الاقتصاد الريعيفي هذه المرحلة من الستراتيجية يتم اعتماد السقف الزمني (2011 – 2015) لتبني منهج اقتصادي يركز على الصناعات الاستخراجية (النفط والغاز والكبريت والفوسفات والزئبق الأحمر)، وعدّها قاطرة للنمو الاقتصادي في العراق في الأجلين القصير والمتوسط، يتحقق فيها مبدأ (الدفعة القوية) لبقية قطاعات الاقتصاد بهدف توسيع القاعدة الإنتاجية وتنويعها، وتتطلب هذه المرحلة ارتفاعا" تدريجيا" للنفقات الاستثمارية من مجمل تخصيصات الموازنة العامة لتصل إلى (45%) في نهاية هذه المرحلة، نظرا" لما تشكّله هذه النسبة من أموال سائلة تتطلبها المشاريع الستراتيجية الممهدة للمراحل اللاحقة.ومن استحقاقات هذه المرحلة، رفع مستوى الإنتاج النفطي إلى (5) مليون برميل يوميا" لتغطية الفجوة الاستثمارية المحتملة، على أن يتم هذا الاستحقاق في ظل التخطيط لسياسة نفطية طويلة الأمد، تبدأ بإقرار قانون النفط والغاز، وتمتد لتشمل تشريعات تنظيمية لإيرادات النفط بالشكل الذي يزيد من علاقات الترابط مع السياسة المالية، كأن يتم اعتماد (قانون لضريبة الدخل على الإنتاج النفطي والغازي) يخضع لها منتجو الهايدروكاربونات السائلة والغازية كافة، سواءا" أكانوا شركات عامة (حكومية)، أو خاصة (محلية وأجنبية)، من اجل زيادة مصادر التمويل عن طريق الإيرادات السيادية. وبخصوص إدارة فعاليات هذه المرحلة الأساسية لبناء الاقتصاد العراقي على صعدة التخطيط والإدارة والتنفيذ، فان خصوصية هذا الاقتصاد تلزم الدولة بمسؤولية التخطيط الكلي الشامل، على أن يتصف بسمات، الواقعية والمرونة والتكامل، (والمزاوجة بين الإلزام والديمقراطية)، وتامين الكوادر التخطيطية المتخصصة، في حين يقع على الدولة الجزء الأكبر من مسؤولية تنفيذ الخطة نظرا" لاستحواذها على أهم مصادر تمويل الميزانية العامة، ألا وهي الصناعة الاستخراجية، مما يلزمها تحقيق الانجازات على مستوى البيئتين الأمنية والتشريعية لأهميتهما الفاعلة في احتضان المراحل اللاحقة من الستراتيجية.وفيما يتعلق بالجوانب التمويلية، فالملاحظ حسب تقديرات (2010)، أن التمويل المحلي لايغطي إلا (42% ) من الأموال المطلوبة للاستثمارات، وهذا يعني بقاء الحاجة ملحة للمصادر التمويلية الخارجية بما يقرب من (58 %) على شكل استثمار أجنبي وقروض ومنح، عليه فان من مهام المرحلة الريعية من الستراتيجية، أن تعالج مشكلة التمويل عن طريق الإجراءات الآتية :1- تحديد أهداف مرحلية لإعادة اعمار العراق، كأن يتم التركيز في الخمس سنوات القادمة على إعادة اعمار منظومة الطاقة الكهربائية، وشبكة الطرق والمواصلات، وتطوير صناعة البتر وكيمياويات.2-التركيز على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية بآليات، الاستثمار الأجنبي المباشر، و القروض المضمونة من البنك الدولي،أو نظام الاستثمار عن طريق المشاركة مع القطاع العام أو التسديد الآجل للمستحقات المالية.3- إعادة تنظيم الموارد السيادية (الضرائب والرسوم) بما يؤمن توفير مصادر تمويلية تدعم النفقات التشغيلية، بهدف رفع حصة النفقات الاستثمارية من مجمل تخصيصات الموازنة العامة. وتهدف هذه المرحلة إلى تأسيس منطلقات وثوابت سليمة للمراحل الأخرى، وذلك بالتركيز على الاستثمار في رأس المال البشري، القادر لاحقا على زيادة القيمة المضافة للمدخلات عن طريق التعامل مع التكنولوجيات المعاصرة وتحسين القدرة التنافسية الوطنية، بما يؤمن إمكانيات الاعتماد على النماذج الاقتصادية غير الريعية، إضافة إلى ضرورة استكمال منظومة البنى التحتية القادرة على استيعاب أنشطة الاستثمار بنوعيه المحلي والأجنبي، وبضمنه الاهتمام بتجربة المناطق الاستثمارية، وفقا" لمؤهلات كل محافظة بما يضمن تحقق مبدءي الكلف الواطئة والجودة العالية. إن الصفة الريعية للاقتصاد العراقي لاتعني بالضرورة الصفة السلبية، إذ أن هذه الهبة بحاجة إلى رؤية ستراتيجية تستثمرها ايجابيا"، مقارنة" بالدول النفطية والريعية الأخرى، التي تهيأت لها مقومات الانطلاق نحو العالمية، لاسيما وان الاقتصاد العراقي يمتلك مؤهلات الاقتصاد المتنوع بما يمتلك من موارد طبيعية وزراعية هائلة، وأنواع من السياحة الدينية والتاريخية والترفيهية، بل إن الواقع العراقي يشير إلى انه البقعة الأكثر استعدادا" لاستقبال أنشطة الاستثمار الم
الاقتصـاد العراقـي: رؤيـة سـتراتيجيـة
نشر في: 24 أغسطس, 2010: 06:08 م