كاظم الجماسيمن وحي اجواء رمضان ظل العراقيون يستمدون نفسا انسانيا ساميا يحضر بكثافة لا تباريها كثافة في اي من شهور السنة الباقية، وتسعفنا الذاكرة العراقية بالكثير من الامثلة والوقائع التي شكلت علامات مضيئة في التاريخ المعاصر للعراق، ففي العقود الاولى
من القرن المنصرم كانت لليالي رمضان بصمة خاصة في تعضيد التآخي الاجتماعي وتمتين وحدة اللحمة الوطنية بين ابناء الشعب العراقي الواحد، بشتى تواصيفه الاثنية والمذهبية والدينية، اذ كانت اطباق رمضان العامرة تتنقل بانسيابية ومن دون معوقات او حساسيات مرضية بين الجيرة من يهود وصابئة ومسيح ومسلمين، وكلهم يتذوق الطبق الرمضاني بشهية نفس عراقي طيب ونقي.ويذكر لنا التاريخ المعاصر ايضا ان هناك قادة مشهورين في لعبة المحيبس الذائعة الصيت في رمضان العراق، ومازال العراقيون يسمون قائد الفريق في لعبة المحيبس(طالوب)، وهناك عدد من (الطواليب) المسيح والصابئة واليهود، الذين تركوا بصمة يتذكرهم فيها العراقيون من كل الاجيال، ومن يريد ان يتوثق من هذا الامر فليسأل كبار السن من اهله وذويه، ليس هذا فحسب، بل هناك العديد من ابناء الطوائف والديانات الاخرى من يؤدي وظيفة ابو طبيلة او المسحرجي في ليالي رمضان، حيث يقوم بذلك متطوعا او طالباً لنذر عزيز على نفسه، بايقاظ الصائمين وقت السحور لتناول سحورهم، وكم من بيت صائم مسلم ضيف ذلك المسحرجي الطيب لمشاركة ابناء محلته الزاد والملح..لم يكن العراقيون يحسبون حسابا ابدا، في جميع تعاملاتهم اليومية مع بعضهم البعض، لأية مرجعية دينية او طائفية او عرقية، وكان هذا الامر اشد ظهورا في ايام رمضان حصرا، وحتى وقت قريب كانت مباريات لعبة المحيبس تعقد في دورات بين شتى المناطق في بغداد او المحافظات، ولعل المباريات الشهيرة في تلك اللعبة والتي كانت تتكرر مجرياتها بين فريقي الاعظمية الحبيبة والكاظمية الحبيبة، والتي تعد من مباريات القمة ذات المتعة الخاصة والمتفردة لوجود اساطين اللعبة فيها، لعل تلك المباريات تضرب لنا مثالا ساطعا من بين امثلة كثيرة عدة في متانة ووحدة اللحمة العراقية.ومن وحي اجواء هذا الشهر الذي تكتنز معانيه بتكريس القيم النبيلة والحقيقية بين ابناء الشعب الواحد، نستطيع القول موقنين ان الفرقة والتناشز الطافيين على سطح المشهد العراقي الراهن، والذي يعيش مرارته ومخلفاته السلبية، نستطيع القول بثقة ان تلك الفرقة بين القلوب والتناشز بين مختلف اشعة الطيف العراقي لا وجود حقيقي لهما ابدا في ضمائر وقلوب العراقيين من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ومن اقصى الشرق الى اقصى الغرب، ولاتعوزنا الدلائل الكثيرة والواضحة على البرهنة على صحة مانقول، وابسط برهان قريب حي في ذاكرتنا برهان الغيرة العراقية العظيمة الشاخصة في روح العراقي الاصيل والمتمثلة ببطل جسر الائمة عثمان العراقي الذي جاد بروحه من اجل انقاذ اخواته واخوته العراقيين من الغرق في مياه دجلة، وقد اثبت ذلك العراقي بما لايدع مجالا للدحض، ان نقاء سريرة العراقيين وغيرتهم على بعضهم البعض، شاخصة على الرغم من تخبط البعض من الساسة العراقيين او تشوش الرؤيا لديهم بشأن التخندقات الملفقة على طبيعة الشعب العراقي الاصيل..طهر ونقاء اجواء رمضان تدعونا اليوم، واكثر من اي وقت مضى، لأن نقول لاولئك الساسة القصار النظر، سيما ونحن نشهد بؤسهم السياسي في تأخر تشكيل حكومة وطنية تعي مهامها التاريخية المتوائمة مع جوهر طبيعة الشخصية العراقية، يدعونا طهر ونقاء رمضان لأن نقول لهم: انتبهوا ايها السادة(الأجلاء) لما تفعلون من سوء ما بعده سوء بمصائر ابناء جلدتكم.. وكونوا هذه المرة صادقين مع انفسكم اولا، سيما البعض ممن يتعكز على الدين منكم، وكونوا اكثر حياء امام الله وامام الناس..
دعوة للصدق..
نشر في: 24 أغسطس, 2010: 07:43 م