TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > هواء فـي شبك :(جيب البيز، ودي البيز)

هواء فـي شبك :(جيب البيز، ودي البيز)

نشر في: 24 أغسطس, 2010: 09:06 م

 عبدالله السكوتي والبيز خرقة صغيرة مبطنة وسميكة توضع في اليد لحمل دلّة القهوة، او اناء الشاي، لاتقاء الحرارة؛ ويحكى في هذا ان بدويا حضر لاول مرة الى احدى المدن، فذهب الى بعض المقاهي، وبينما هو جالس، واذا به يسمع احد الصنّاع يصيح بصوت عال: (جيب البيز) والآخر يوصي صانعا آخر وبصوت عال:(ودّي البيز)،
ولم يسبق له ان سمع بـ(البيز) فظنّ انه شيء مهم للغاية، لذا تنادوا فيما بينهم عليه، واراد معرفته، فسأل احد الجالسين بجانبه عن مدلول هذه الكلمة، فافهمه معناها واشار اليها وهي بيد حامل دلة القهوة، فلما ابصرها وجدها خرقة سوداء قذرة، فقال ساخرا:(جيب البيز، ودّي البيز، ثاري البيز خركه).هذا البدوي المسكين حاله يشبه حال الكثيرين، من الذين يسمعون بالشيء ولا يعرفون ما هو، لتأخذهم الدهشة من حجم الكلمات وتداولها، وحين الوصول الى معانيها، يصبح الاستخفاف جوابهم، على اعتبار ان الاشياء بمسمياتها، وهذا يشبه كثيرا حكاية هشام بن عبد الملك مع الشاعر كثير عزة، حين دخل عليه، فقال:(تسمع بالمعيدي خير من ان تراه)، وكان كثيّر دميما قصيرا.والشعب العراقي هو الاخر مسكين، فقد حظي مابعد 2003 بكثير من المصطلحات، التي بقيت على حالها مجرد مصطلحات، وبقي الشعب مبهورا بها، تأخذه الدهشة، من المفردات الرنانة، وهي كثيرة حتى صار يحمل قاموسا لها، دخلت الشفافية بلا شفافية، بينما كانت المحاصصة، درة الغواصين التي اخرجوها من البحر، وهناك الشراكة ومرشح التسوية، والنزاهة، والتكنوقراط التي لم تر النور، وها انذا اتيه بين الكلمات، ولا ادري من منها دخل حيز التطبيق، ومن خرج وتناساه الناس، ومن المؤكد ان (الحبل علجرار)، وستتولد مصطلحات جديدة، لكل ازمة حكومية او اقرار قانون للانتخابات.انها حالة صحية لو كانت هذه المصطلحات عملية وتدخل ميدان فائدة الناس، واخراجهم من الازمات المتتابعة، اوحتى تأخذ ابعادها في ذهنيتهم التي ازحمتها الدكتاتورية على مدى 35 سنة، بمختلف المصطلحات والايام والتنظيرات، فصاروا يمقتون الكلمات الفارغة، ويحتاجون كما يقولون:(للي ايعبي بالسكله ركي)، اما الكلمات فحين تبقى منفردة تصبح جوفاء لاتعني شيئا، وتصبح مثار سخرية كما حدث في زمن الدكتاتورية، يتندر بها ابناء الشعب في جلساتهم الخاصة.وهي بهذا تشبه (البيز) الذي شغل صديقنا البدوي حتى اذا علم ماهو صدم، وعاد ادراجه يتندر بالخرقة التي صار لها اسما مثيرا.لقد قرأت حوارا للدكتورة عائشة راتب استاذة القانون الدولي، وسفيرة مصر في كوبنهاغن في زمن انور السادات، قالت فيه ان السادات استدعاها، ليأخذ رأيها في تركه رئاسة الجمهورية، والتفرغ للتنظير، فقالت:حسنا تفعل، فقال لها السادات: كيف ذلك؟ فقالت:بالامس كنت البي دعوة عشاء اقامها رئيس مجلس النواب الدانماركي، بحضور شخصيات معروفة، وقد قام رئيس المجلس بتقديم طلب لملكة الدانمارك، بعدم ترشيحه في الانتخابات المقبلة، فسأله احد الحاضرين عن السبب فقال:نحن في بلادنا نحب ان نسأل، لماذا تركنا المنصب؟ بدل ان نسأل متى نترك المنصب؟ فرد عليها السادات: (انت شايفه كده)، فقالت نعم، لكنه لم يستقل!وكثيرة هي الاسماء التي تملأ الفراغات، ولاتريد مغادرة الامكنة، وهي تحلم بانجاز، دون ان تسعى لتحقيقه، لتبقى مثل البيز جلّ ما تفعله ان توضع على دلال القهوة او اباريق الشاي لحملها، وتشغل الاخرين بانها تمتلك اسما رنانا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram