TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > فــــارزة :قبلات القادة

فــــارزة :قبلات القادة

نشر في: 24 أغسطس, 2010: 09:26 م

 نزار عبد الستارالقبلة، في أعراف المشاعر، أنواع، وخطابات، ودلائل، فان جاءت على اليد، فهي احترام وتقدير، وان جاءت على الكتف، فهي شوق وإكبار. أما قبلة الجبين فهي عطف وحنان، وإذا تيسر أن تكون على الرقبة فهذا يعني انك نلت المراد وصرت اسعد العباد.
أما القبلة التي يتبادلها القادة على الخدود، فهي تعني انفراج، وحلحلة، وخلخلة، وتدل أيضا على متانة الرحم السياسي وقوة الوصل فيه، وتوحي، إذا ما جاءت حميمية، بان الحساب صحيح، وان المباحثات في شهرها التاسع، وان الولادة وشيكة. قادة الكتل يوظفون القبلات بحنكة سياسية ولهم فيها طرق ومدارس، فإذا ما تعقدت الأمور، واشتبكت المعطيات، نراهم يستخدمون قبلات خاصة من النوع البطيء. يلتقون عند الأبواب ويتعانقون بأحضان مفتوحة، كرشا لكرش، ثم يتصافحون ويتبادلون ابتسامات عريضة وكلمات طويلة. ومن شدة تأثرهم بحرارة اللقاء يعودون ويطبعون قبلات على خدود بعضهم البعض بحب اخوي جدا.قبلات القادة لها مواسم، فهي تزدهر قبل الانتخابات، وتبدأ بالتكاثر بعد إعلان النتائج بأشهر. أي أن قبلات القادة ليست عشوائية كما يتخيلها الحاقدون، وإنما هي ذكية، وحساسة، ولها دورة حياة طبيعية. وهناك بالطبع قبلات اضطرارية، وبلا معنى، ولكن في اغلب الأوقات قبلات القادة رسائل وسائط تحمل مدلولات كبيرة، فهم يقولون لنا نحن متفاهمون، ونحن دهن ودبس مع بعضنا، أما أنت أيها الشعب، فتريد لنا الفرقة، والتصلب في تكتلات والتحزب في أحزاب، ولكننا ولله الحمد كالخدين في وجه بشوش، وكالشفتين في قبلة واحدة.هناك قبلات يمكن تسميتها بالمخابراتية، وهي قبلات غامضة جدا، وعصية على التفسير، وهذا النوع من القبلات يمارسه القادة عند الخروج من الاجتماعات التفاهمية المشتركة، فقبل أن يغادروا المضيف يتبادلون قبلات توديعية على أمل اللقاء في جولة ثانية. هذا النوع من القبلات يحتمل الكثير من التأويلات، فالقادة منهكون بسبب دسامة موائد العشاء، وثقيلون بتعب الحوار، وفي العادة تكون الساعة متأخرة، ومن الطبيعي أن يخرج القادة وقد شبعت أشواقهم، وابتلت عروقهم بالحب، وثبت إيمانهم بضرورة أن يكونوا كتلة وطنية واحدة لخدمة العراق الجديد.السؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى يتوقف القادة عن التقبيل؟. توجد فترة يمكن لنا تسميتها بالصمت العاطفي، وهي فترة لا تعتمد على القادة أنفسهم، وإنما تتحكم بها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهذه الفترة تتحدد في عد الأصوات وفرزها، وهي قد تطول أو تقصر، وفيها يمتنع القادة عن تبادل القبلات، وإذا ما شاهدوا قائدا زميلا فهم ينظرون إليه شزرا، وكأنهم  لا يعرفون خدوده، ولا رائحة فمه. إنها فترة جحود ولكنها بمفهومنا نحن، الشعب البريء، نعدها استراحة حب، فما تلبث مباحثات تشكيل الحكومة أن تبدأ، وسيرهق القادة أنفسهم حتما في استعمال القبلات التي كلما رأيناها على شاشات التلفزيون قلنا: جاء الفرج.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram