إيمان محسن جاسمكاتبة تختلف رؤية علماء السياسة والاجتماع بشأن تحديد دور المجتمع المدني وهل أنّ دور المجتمع المدني ينحصر في إرساء مبدأ المواطنة والدفاع عن المصلحة العامة والحريات العامة وحقوق الإنسان ومصالح الفئات الاجتماعية (كالمرأة والطفولة والشباب )
أم أنّ دور المجتمع المدني أوسع من ذلك وأكثـر تسييسا على اعتبار أنّه موكول إليه تغيير السياسات في إطار من التنوّع والتعدّد والمشاركة الحرّة حتى تغيير الأنظمة السياسية استنادا إلى أن ماهية المفهوم تحيلنا بالضرورة إلى المجتمع في تميّزه عن السلطة أي في مواجهة الدولة. وحينها تأتي على رأس مؤسسات هذا النمط المجتمعي الأحزابُ السياسيةُ داخل السلطة وخارجها. rnلكن مهما يكن من أمر هذا الاختلاف يبقى الأكيد حسب رأينا أنّ دور المجتمع المدني في جوهره هو دور تنموي. التنمية هنا في معناها الشمولي المتعدّد الأبعاد، من منطلق أن هذا النمط المجتمعي يمثل حقلا للتدبّر الجماعي لسبل حلّ الخلافات وتحقيق المطالب المتنوّعة وتأكيد الهويّات في حال تعدّدها. لقد غدا من البديهيات اليوم القولُ أن السياسة كما الاقتصاد والاجتماع هي مجالات لتصارع المصالح الخاصة، وهو صراع نسبي ومتعدّد المقاييس والمعايير بالنظر إلى الخصوصيات المميّزة لكل مجتمع. لكن إذا كانت غاية النشاط الإنساني في نهاية المطاف هي تنمية الإنسان مطلقا بما هو قيمة في ذاتها، فإنّه يغدو من الشرعي الحديث عن تنمية كلّ إنسان من دون استثناء، ينمّي فيه إمكانياته النفسية وقدراته الجسدية وطاقاته الروحية الظاهرة والكامنة، عبر تثمين القيم الأساسية التي ينشدّ إليها مثل الحرّية والمساواة والعدالة والتضامن والسلام وهي التي تؤمن التنمية الصحيحة وبمعناها العلمي. وينطلق مفهوم التنمية اليوم من التسليم بأن الإنسان هو الفاعل الأساسي في دفع مسار التنمية وهو في الآن نفسه غايتها وهدفها النهائي. ويأخذ هذا المفهوم بعدا شموليا بالضرورة. فالفعل التنموي يستهدف في الوقت ذاته هذا الإنسان في وجوده وقيمه وتصوّراته وعلاقاته والبيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان نفسه سواء البيئة المادية أو البيئة الاجتماعية. إنها (أعني التنمية) بالخلاصة توزيعٌ عادلٌ للدخل وتأمينٌ للخدمات الأساسية للجميع وتمتع بالرفاه وهي أيضا مشاركة فاعلة لكل فرد من أفراد المجتمع في اتخاذ القرار بالنظر إلى موقعه ودوره في هذا المضمار. وإنّ توسّع المجتمع المدني واستقلاليته يؤشّران إلى تنامي قدرة المجتمع وجماعاته على الاستمتاع بشكل عادل بإمكانيات البلاد وقيمها على أساس مبدأ المواطنة دون غيره والتحرّك بشكل مستقلّ عن الدولة وأجهزتها التي يتقلّص دورها المهيمن. فالديمقراطية والمشاركة والتنمية ليست فقط عملية تصويت في إطار ممارسة انتخابيّة شكلية، بل هي كلّ ما من شأنه تأمين المشاركة المستمرّة في آليات اتخاذ القرار والتنفيذ ميدانيا وتفيد معطيات الواقع قيام علاقة طردية بين مستوى النموّ الاقتصادي وأشكال توزيع السلطة وأساليب التسيير. إذ النموّ يتراجع عندما يزداد التباين في الدخل، ولكن أيضا عندما يكون هناك نزوع لاحتكار سلطة اتخاذ القرار وعدم ترك هامش كاف لمؤسسات المجتمع للمشاركة في مسارات التنمية تصوّرا وتنفيذا مما يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد فقدان الثقة. ونعرف جميعا أن مفهوم التنمية قد تطوّر خلال العقود الأخيرة بحيث ما عاد يُقتصَر في تحديده على المؤشرات التقنية والكمية فقط بل إنه غدا يشمل عديد المؤشرات النوعية الأخرى المتعلقة خاصة بنمط العيش. بمعنى أنه ما عادت مؤشرات الدخل(دخل الفرد) والصحّة والتعليم هي المعتمدة فقط في قياس التنمية إذ هناك مؤشرات نوعية تعكس الاحتياجات الأساسية للإنسان غدت معتمدة أيضاً في هذا القياس، وخاصة تلك المؤشرات المتعلقة بالمشاركة في معناها الواسع اقتصادية كانت أم سياسية أم ثقافية. وبناء عليه لم تعد التنمية، كما يؤكد الاختصاصيون،من مسؤولية الماسكين بزمام السلطة وحدهم، بل أضحت مسؤولية المجتمع بأسره عبر المؤسسات المدنية التي تساهم فعليا في وضع التصوّرات واقتراح سبل التنفيذ وحتى المساهمة في التشريع عبر مشاركة حقيقية وفاعلة. من هذا المنطلق تصبح الشراكة بين مكوّنات المجتمع المدني والمجتمع السياسي شرطاً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية في ظل واقع اتسعت فيه الهوّة بين القدرة على توفير الخدمات وبين تزايد الاحتياجات خاصة في البلدان النامية ومنها العراق الذي يحتاج فعلا لشراكة قوية بين الدولة ومجموعة منظمات المجتمع المدني، بما يدعو إلى تعزيز المواطنة من أجل الدفاع عن الشأن العام (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية) الذي ما عاد منحصرا في الدولة ومؤسساتها. من منطلق هذا التصوّر تتحوّل الدولة إلى منسّق تحالفات واسعة بين جميع مكوّنات المجتمع وقواه الفاعلة على مستوى المؤسسات المشاركة في العملية التنموية في شتى مستوياتها .
المجتمع المدني والشراكة فـي التنمية
نشر في: 25 أغسطس, 2010: 06:14 م