TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: الحلم المستحيل

العمود الثامن: الحلم المستحيل

نشر في: 27 أغسطس, 2010: 07:55 م

علي حسينمن بين جميع الأخبار التي نشرتها الصحف حول  التفجيرات التي حدثت الأربعاء الماضي، استوقفني خبر شعرت بالأسى والحزن أمامه، ففي  صبيحة ذلك  اليوم الدامي،  دخلت  مجموعة من المسلحين منزلا في ضواحي بغداد وفتحت  النار على من فيه مما أسفر عن مقتل شاب في الثامنة عشرة من عمره، وإصابة شقيقته، بينما كان والدهما متواجداً في جنوب البلاد لتقبل العزاء في شقيقه،
 الذي قُتل نتيجة انفجار عبوة ناسفة، ولم يعرف الأب الأسباب التي دفعت المسلحين لمهاجمة منزله، كما فشلت الأجهزة الأمنية، في الكشف عن هوية منفذي الهجوم.هكذا استيقظ الناس على أربعاء دام جديد، أربعاء يتبعه أربعاء حتى نسي العراقيون تسلسل الأيام الدامية، لكن الأربعاء يبقى عالقا في الذاكرة، حتى أصبح هذا اليوم شؤما ونحسا،يقول الباحث رشيد الخيون ان ليوم الأربعاء في الذاكرة العراقية حوادث شؤم لا تعد، واعتقاد نحس قديم، وكان قد  جمعها في مقال بعنوان "نواحس الأربعاء"، ومنها: اجتياح المغول بغداد  واستيلاء "البعث" على السلطة وقبلها تدفق انهار من الدم  على يد الحجاج بن يوسف الثقفي.وبرغم هذا التاريخ المليء بالدماء الا ان صورة الشاب الذي وجد نفسه بين مخالب موت مجهول الهوية هي التي ظلت راسخة في ذاكرتي، يمكنني ان أتخيل  بماذا كان يحلم هذا الشاب، ما هي الكلمة الأخيرة التي سمعها، هل كان مهتما بالانسحاب الأمريكي وتطمينات القادة الأمنيين من أن قواتنا قادرة على حماية المنجز الأمني؟ربما كانت صورة القادة الأمنيين والساسة الذين يسعون لملء الفراغ، آخر ما ارتسم في خيال الشاب القتيل قبل ان يجرب الحلم المستحيل. لم يتح لهذا الشاب ان يصحو على نهار جديد خال من أخبار القتل والمفخخات،لكن مخيلته استطاعت ان تخزن  صورة حلم جديد ببلاد يسودها الأمن والإخاء،اخذ هذه الصور معه وغادر بفضل طلقات مجهولة الهوية في الوقت الذي كان فيه الوالد المكلوم يدفن شقيقه الذي أنهت حياته عبوة مجهولة الهوية أيضاً.معظم من قتلوا يوم الأربعاء الدامي كانوا ممن يحلمون بنهار جديد يختفي  فيه صوت السياسي الذي يزمجر غضبا وهو يهدد ويتوعد بالأسوأ ان لم يحصل على ما يريد.الذين قتلوا في الأربعاء الأسود الأخير كانوا ينظرون الى صور الساسة المتخاصمين حتى مع انفسهم ولصورة الجنود الأمريكان الذين يغادرون حقل العبوات الناسفة العراقي، فيما الأب يقطع الطريق مشياً على الأقدام الى مقبرة يثوي فيها جثمان شقيقه، ولم يكن يدري ان قدميه ستأخذانه  بعد أيام الى مقبرة جديدة أخرى ستضم جسد ابنه الذي أوصاه قبل الرحيل ان لا يخاف، فقد أعلن قبل ساعات ان كل شيء تحت السيطرة وان قواتنا الأمنية ستملأ الفراغ، وان الحكومة الجديدة في طريقها الى الانعقاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram