TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أستاذي الدكتور داود سلوم.. وداعاً

أستاذي الدكتور داود سلوم.. وداعاً

نشر في: 27 أغسطس, 2010: 08:47 م

د. نادية غازي العزّاويّبرحيل د.داود سلوم يوم الجمعة 13/8/2010م تكاد تُطوى إلاّ قليلاً صفحة الجيل الثالث من الأكاديميين العراقيين الذين رفدوا الجامعة العراقية يومها بدماء جديدة ، بعد عودتهم من بعثاتهم الدراسية من كليات أجنبية وعربية مرموقة في نهاية الخمسينيات ومنتصف الستينيات من القرن الماضي ،ليواصلوا ما أسّس أسلافهم من أبناء الجيل الأول والثاني- الذوات:
 مصطفى جواد ،البصير، طه الراويّ، علي جواد الطاهر، علي الوردي ، مهدي المخزوميّ،صلاح خالص، فيصل السامر ،طه باقر .....وغيرهم طيّب الله ذكرهم وثراهم - من إرساء التقاليد واللبنات التي عزّزت موقع الجامعة العراقية، وأكسبتها سمعتها وحضورها العلميين الرصينين – قبل أن تزحف عوامل التخريب والدمار عليها  وتفرغها من محتواها الحقيقي وتقودها إلى الدرك الذي وصلت إليه الآن-.أستاذي د. داود سلوم مع أضرابه ومجايليه – على تباين ميولهم واتجاهاتهم الفكرية – ركن ركين في قسم اللغة العربية في الكلية الأم (آداب بغداد ) ، التي أتمنى أن يتصدّى باحث أكاديميّ موضوعيّ منصف وغير متحيّز لدراسة نشأتها ومسارات نموّها ونكوصها وما رافقها من عوامل مساعدة ومثبّطة من الصراعات الحزبية والفكرية  انعكست سلباً وإيجاباً على واقع العملية التعليمية فيها ،بكشف الوثائق والأوراق كاملة ، ففي دراسة تاريخ هذه الكلية ، وسابقتها طيبة الذكر (دار المعلمين العالية ) ستتضح كثير من ملابسات المجتمع العراقي وأزماته وأدوائه ،وما واجه الطبقة المثقّفة فيه من مشكلات أثّرت سلباً في منجزهم كمّاً ونوعاً.كان من حسن الطالع أن أتيح لي دخول معترك هذا القسم العزيز على قلبي ، والتتلمذ على يد الكثير من هؤلاء الأعلام الذين أثّروا فيّ بنحوٍ أو بآخر ، وفتحوا عيني مبكراً على قيم جوهرية ، منها :1- أهمية أن يكون المشهد الجامعيّ متعدّد الاتجاهات متنوعها ،لأنّ من شأن هذا التنوع إثراء العملية التعليمية كاملة وهي تقدّم للطالب آفاقاً ورؤى مختلفة ، وتنمّي فيه  الوعي والقدرة  على الفرز والاختيار ، فقد كان لكلّ منهم حضور شخصي وثقافيّ مستقلّ عن الآخر ،وما يتبع ذلك بالضرورة من مصطلح ومنهج ووسائل ومصادر ومراجع  تميّزه. ولم يسقط منهم في نظرنا إلاّ من سلّط المهمات الحزبية والأمنية على الحرم الجامعيّ فلوّث تاريخه الأكاديميّ، بل أضاعه حين قطع الحبل السريّ الحميم الرابط ،بين (منصّة ) الأستاذ، تلك الإيقونة المشعّة بالعلم ، وبين (رَحلة ) الطالب المستلمة لهذا الإشعاع ،الذي يفترض أن يظلّ متعالياً على كل ما من شأنه الحطّ منه . 2- ضرورة كسر الحواجز المصطنعة بين الجامعة والمشهد الثقافي العام،لقد رفد كثير منهم الحياة الثقافية العراقية بكتب ودراسات ومقالات ومجلات ، ما زالت إلى اليوم علامات بارزة في تاريخه .3- الانفتاح على الأجيال الجديدة ، فلم تكن ثمة حواجز نفسية أو علمية تفصلنا عنهم ، وكانت محاضراتهم موّارة بحوارات ممتدّة بيننا وبينهم من غيرما تناشزٍ أو تقاطع،وسأظلّ أعترف للدكتور داود – بخاصة – بدوره في كسر رتابة المحاضرة التقليدية ، حين خرج بها عن حدود إملاء المعلومات إلى أفق أوسع ، فكانت محاضرته في درس ( النقد الأدبي الحديث) نقداً بلا ضفاف ، ومعتركاً لجدل الآراء في الأدب والاجتماع والسياسة والأخلاق والفلسفة، هكذا ملتحمة متواشجة من غير جدران عازلة :من مأساة امرئ القيس إلى موقف توفيق الحكيم من المرأة ،مروراً بالفرد العراقي المأزوم في( النخلة والجيران)، إلى مفهوم الشعر عند أرسطو ، إلى موقف الماركسيين العرب من التراث..وغيرها.كانت آراؤنا تختلف أحياناً ، ولكنه الاختلاف الراقي الذي لا يفسد للودّ قضية ، ولا يؤثّر – قيد أنملة –في احترامنا لهم، ذلك الاحترام المبني على المحبة قبل الهيبة.4- قدّم لنا أساتذتنا أمثلة عالية للتواضع العلميّ الحقيقيّ الذي هو أبرز سمات العلماء ، وبودي أن أستحضر حادثة قريبة جداً للراحل قبل خمسة أشهر تقريباً إذ تشرّفت بعضويّة لجنة مناقشة أطروحة دكتوراه ترأّسها المرحوم ، فوجدته يتابع بدقة فهرس المصادر والمراجع ، ويسأل الطالب عن عنوان كتاب لم يطّلع عليه ،ثمّ إحساسه بالغبطة والامتنان حين صوّر الطالب له نسخة منه ،مردّداً بين الحين والآخر القول:لسنا إلاّ قطرة في بحر.كما قدّم أمثلة في معنى الانضباط داخل المحاضرة ،كان صلباً لا يسمح بتهاون أو تمادٍ من أيّ نوع ،وما زلت أذكر حادثة طرده أحد الطلبة من القاعة الامتحانية لأول بادرة غشٍّ منه ، وحين جرت محاولات من رئاسة القسم لإعادته تحت ذرائع معينة ،أصرّ على موقفه وهدّد بمغادرة القاعة إن تمّ التحايل على قرار الطرد ، فاستجابوا له. 5- كان أستاذي غزير الإنتاج، تنقّل بين مجالات واختصاصات متباينة : في التراث والمعاصرة ، وفي الترجمة، والنقد ،والتحقيق ، والجمع، والأدب المقارن .....الخ ،وثبت عنوانات تآليفه دليل ناصع على ذلك.وهي حالة ذات وجهين ، فبقدر ما تدلّ على مثابرة ودأب، هي من سمات العلماء ،الذين لا تكفّ أقلامهم عن الكتابة إلاّ لحظة الموت ، فإنّها من جهة ثانية كانت سبباً في تشتّت جهده وعدم تجلّيه بوضوح ، مثلما كان سيحدث لو انصرف وبرز في مجال معيّن. ولا شكّ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram