علي عبد السادةمادامَ "طائفُ" لبنان يوجعُ رأسَ اللبنانيين حتى اليوم، ويجعلُهم يشكّون بالأرضية التي تأسسَ عليها نظامُهم السياسي، فلِمَ نجمعُ، نحن، سنواتٍ شاقةٍ من العملِ السياسي في العراق؟ برسمِ إنتاج ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ، بـ "كيس" مفاوضات ونرميه في حفرة "طائف" آخر للعراق؟
المقاربة اللبنانية للعراق تُساق في أحيان كثيرة عبر وسائل الإعلام على أنها حل نموذجي لأي استعصاء بين الفرقاء، وتبذل، أيضا، على ألسنة محللين وسياسيين عراقيين لتكشف كواليس العراق الفتي الناهض من ركام الديكتاتورية:"إخفاق في صناعة البديل عن نظام صدام".المستنجدون بـ"السحر اللغوي" الذي توفره مقولة "لبننة العراق" يعودون إلى وجوه مشتركة بين البلدين:الحرب الأهلية، الصعوبة في إيجاد هوية جامعة للمكونات الاجتماعية، المحاصصة السياسية، وأخيرا أزمة الخدمات؛ فمثلما تظاهرت الناصرية ضد نقص الكهرباء فعلت ذلك تماما الزهراني (جنوب لبنان). ما يعني أن ينتهي العراق إلى طائف يطوي شبح الحرب الأهلية بطاولة اتفاق على تقاسم السلطة، تماما كما انتهت لبنان.وكأن من يؤمن بهذا التشابه المفترض يقول بطريقة أخرى: ينقصنا ليكتمل هذا التشابه طائف عراقي ولا مشكل في مكانه. ثمة نكوص عن هدف العراق الديمقراطي، ويأس من تحقيق ثمار إزاحة صدام حسين.الوصول إلى هذه القناعة مخيف لعديد الحالمين بعراق آخر؛ حيث يوفر نظامه السياسي المواطنة للجميع ويكرس المدنية قيمة حية في ممارساتهم. هؤلاء يخشون الوصول إلى نظام يخلقه طائف في دمشق أو عمان او غيرها، ويخاف، أيضا، من أن تنزع النخب السياسية إرادتها لتتيح للأتراك، مثلا، شرف الرعاية.الحالمون بالعراق المختلف لا يريدون الإصابة بمرض لبنان المزمن:القلق من العنف بين المكونات، وان "الطائف" هو الحل. الم تزل لبنان تقفز بين حين سياسي وآخر على ألغام الحرب الأهلية النائمة؟ ولطالما استيقظت.الحاجة، اليوم، لطائف في بغداد، يُشعرُ العراقيين بأنهم يليقون بفعلهم السياسي الحديث. وأنهم جديرون بمستقبلٍ لن يشاركهم في رسمه إقليم أو جوار.المشكل العراقي الراهن واستعصاء السير على سكة ما بعد 2003، خصوصا اليوم، يعود إلى اعتبار البعض الأزمات المفصلية كوارث قد تسقط البلاد وتقلبها رأسا على عقب. ما يجري جزء من مخاض انتقالي، لن يفضي إلى هدفه ما لم نجعل الحياة السياسية تقوم على أصول وتقاليد الديمقراطية، لا أن نكرس الخلاف الفئوي ثم نعود لنبكي الطرق المسدودة، وما تبقى شباك على الحدود يعبر بحلمنا نحو حتفه: طائف على غرار لبنان الهش.
فــــارزة: طائف العراق :مقاربة للدولة الهشة
نشر في: 27 أغسطس, 2010: 10:18 م