محمد صادق جرادلقد سعى الإعلام المعادي للعراق إلى ربط التغيير الديمقراطي الذي جاء بعد سقوط الصنم في 2003 بالاحتلال الأمريكي في محاولة منه للايحاء بعدم شرعية التجربة في ظل هذا الاحتلال .واليوم وجد هذا الإعلام المنتشرة في العراق منذ بداية عملية الانسحاب التي انطلقت في حزيران من العام الماضي ونقلت نحو 1,2 مليون
قطعة من المعدات العسكرية تمهيدا للانسحاب الكامل نهاية العام القادم .مثل هذا الخبر كان من المفروض أن يأخذ مساحة واسعة في وسائل الإعلام المختلفة باعتباره إنجازا وطنيا في طريق استعادة السيادة الوطنية التي لطالما تباكى عليها الكثيرون.ونتذكر في 2003 كيف قاموا بحملة إعلامية واسعة تزامنت مع دخول هذه القوات إلى العراق واتخذوا من الاحتلال عذرا لمساعدة الجماعات المسلحة تحت عنوان إخراج المحتل . واليوم تشعر هذه الجهات الخارجية إنها ستفقد أهم المبررات التي تجعلها تتدخل في المشهد العراقي وشأنه الداخلي في محاولة لزعزعة الوضع الأمني وإثارة الفتن الطائفية للحيلولة دون نجاح العملية السياسية التي تشكل خطراً على الدكتاتوريات في المنطقة والتي أفهمت شعوبها أن الاحتلال سيبقى في العراق لمئات السنين وان الديمقراطية لن تجلب سوى الدمار والحروب الأهلية لتخويف الشعوب من شبحها وإبرازها كسلعة مستوردة وممارسة غير مرغوب فيها لا تصلح للتطبيق في مجتمعاتنا العربية وإيقاف طموحات الجماهير في التطلع إلى قيام تجربة ديمقراطية على غرار التجربة العراقية .من أجل ذلك شهدنا الكثير من تصريحات التشكيك بقدرات القوات العراقية على مسك الملف الأمني والتشكيك بجدية هذا الانسحاب وأشياء كثيرة أخرى يحاول مطلقوها قتل فرحة العراقيين بهذا الإنجاز التأريخي والذي يعد خطوة مهمة على طريق استعادة السيادة وبداية الدور القيادي للأجهزة الأمنية، وأيضا يعد هذا الانسحاب ممهدا لجلاء باقي القوات الأمريكية في العراق لنصل الى الهدف الوطني في تحقيق السيادة في بلد نجح في عملية التغيير واستطاع ان يتحول من بلد يحكمه نظام استبدادي وشمولي إلى بلد ديمقراطي يكون الشعب فيه مصدر السلطات وتحكمه المؤسسات الدستورية ليصبح تجربة رائدة في المنطقة .ومن الجدير بالذكر إن هذا الانسحاب ما كان ليتحقق لولا أمور ومتطلبات كثيرة ومنها تضحيات العراقيين التي قدموها عبر مجابهة الإرهاب وزمر البعث الصدامي والتي عملت على إفشال هذه التجربة من خلال قتل العراقيين وتدمير البنى التحتية للبلد . ان النجاحات التي حققتها القوى الأمنية في مسك الملف الأمني كانت من مقومات تحقيق هذا الانسحاب والتي جعلت الجانب الأمريكي يعترف بقدرات القوات الأمنية العراقية ومهنيتها ويسير في طريق تنفيذ بنود الاتفاقية الأمنية . لقد كان هذا الانسحاب ثمرة الجهود السياسية والدبلوماسية العراقية الناجحة التي افرزت التوقيع على معاهدة الانسحاب الأمريكي التي تم تنفيذ مراحلها المهمة المتمثلة بخروج القوات المقاتلة من المدن للانتقال بعدها إلى باقي بنود الاتفاقية التي تنص على التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي والعسكري بين الطرفين، حيث تركت الولايات المتحدة 50 ألف جندي حتى نهاية العام القادم لتدريب القوات العراقية وتقديم المشورة والنصيحة لها.وسيقوم هؤلاء بمساعدة العراقيين في إعادة البناء وترسيخ التجربة الديمقراطية وترميم البنى الثقافية والتعليمية والاقتصادية والمساعدة على النهوض في عملية التنمية الاقتصادية والبشرية .خلاصة القول إن هذا الانسحاب هو مطلب شعبي وإنجاز تاريخي يحاول البعض التشكيك فيه لأنه لا يصب في مصلحته ولا يتماشى مع أجنداته السياسية في هذه المرحلة بالذات . وبالرغم من محاولات هؤلاء إلا ان العراق يسير بخطى ثابتة نحو الحرية والديمقراطية، والمطلوب اليوم إن تتوحد الصفوف لمواجهة الإرهاب وقوى الشر التي ستستغل أي فراغ يتيح لها تنفيذ جرائمها ومخططاتها الإجرامية .ولا بد للحكومة الجديدة من أن ترى النور بأسرع وقت ممكن كي لا نمنح فرصة لأعدائنا ليتمكنوا من تدمير كل ما بنيناه .
الانسـحــــاب.. بين التشكيك والتطبيق
نشر في: 1 سبتمبر, 2010: 06:12 م