كاظم الجماسيفي اجواء رمضانية غاية في القسوة بالنسبة للسواد الاعظم من العراقيين المبتلين بأحوال البلاد والعباد، ومع تأخر موعد تشكيل حكومة وطنية، تشهد السوق الاعلامية العراقية نشاطا ملحوظا في التفنن بعرض كل ما من شأنه اثارة حفيضة الشريحة الاكبر من شرائح المجتمع العراقي، حيث الموائد الباذخة بكل ما لذ وطاب من شتى انواع المأكولات والمعجنات والحلويات والعصائر،
في الوقت الذي يكدح فيه العراقي الفقير من طلع شمس النهار حتى مغيبها باذلا طاقة جسده المتهالك ونازفا عرق بدنه من اجل ان يحصل على اجر يكفي بالكاد لشراء خبزا وبعض الخضروات، ، مثلما تشهد حملات اعلامية جديدة للتعمية والتمويه على حقيقة ما يجري من مفاوضات ولقاءات، لتشكيل حكومة. ومع حداثة خوضنا كعراقيين لتجربة النهج الديمقراطي، فأن عددا كبيرا من مؤسساتنا الاعلامية بلغ بها الشطط في استخدامها حق حرية التعبير المتاحة بما يؤذي مسيرة الديمقراطية وعدم الالتفات الى مصالح الناس الاكثر فقرا من بين طبقات المجتمع العراقي، مثلما ارتكب بعض مسؤولينا الكثير من المغالطات في الدورة الحكومية الماضية من دون ان ان يفوا بوعد من وعودهم، الامر الذي خلق فجوة ثقة بين المواطن والسياسي، اتسعت وتعمقت بنحو لايمكن اغفاله او السكوت عنه.ففي الوقت الذي يعد رمضان شهرا فضيلا في عفة العين واليد واللسان كما تؤكد ذلك التعاليم السماوية والسنة النبوية، فأن مايعرض على شاشات تلك الفضائيات ابعد ما يكون عن العفة مشاهدة وطرحا بلغ في بعض الاحايين حد السماجة والسفاهة المكتملة في الوقت ذاك تتلوى بطون الصائمين الجياع تعصرها مرارة الخيبة والخذلان..لايختلف اثنان من العراقيين على تشخيص مشكلات مزمنة عدة ظلوا يكابدونها طوال زمن الدورة الحكومية الماضية، فلا انسيابية في الحصول على ماء صالبح للشرب، ولا توفر علاج او دواء او مصحات مناسبة لمن يعاني المرض منهم، ولا حركة لهواء المبردات او المراوح في بيوتهم المصطلية بسعير القيض، ولا استلام مستديم لمفردات حصصهم التموينية التي يبدو انها قطعت عنهم (سكتاوي)، ولا ثقة بسلامتهم وسلامة ابنائهم في الرواح والمجيء، ولا.. ولا.. ، وتتهافت شاشات تلك الفضائيات بعرض القصور الباذخة التأثيث والتكييف..، والوجوه الفائضة بالشبع والعافية والثراء، والموائد التي يسيل لها لعاب الشبعان قبل الجوعان، والازياء والسيارات و..و... وكل ما يطعن مشاعر الفقراء المعدمين في الصميم.كل ذلك فضلا عن ان محمولات خطابات بعض الفضائيات يدس السم في العسل من اجل النيل من حظوة التجربة الديمقراطية في نفس المواطن العراقي. غير ان العراقي، على الرغم من فداحة خسائره طيلة الاربع سنوات الماضيات وماقبلها وما بعدها، ادرك ما للديمقراطية من ثراء انساني كبير كفيل بتحقيق كل ماكان محروما منه سواء على صعيد العيش او الكرامة، وايقن اخيرا، على الرغم مما يطفو على السطح من دعوات مريضة خاسرة تنادي بعودة الاستبداد، مستثمرة خيبات الامل المباشرة عند بسطاء هذا الشعب، ايقن العراقي انه يمضي الى الامام، في توكيد حقه بمستقبل افضل عبر اختياره القوى الشريفة التي ناضلت حقا، طيلة عقود، في سبيل تحقيق حرية وكرامة الوطن والمواطن.
الإعلام وصوم الجياع
نشر في: 1 سبتمبر, 2010: 07:56 م