TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الــــرجـــــل وقـــطـــتــــه..(قصة سينمائية - سيناريو)

الــــرجـــــل وقـــطـــتــــه..(قصة سينمائية - سيناريو)

نشر في: 4 سبتمبر, 2010: 05:11 م

محمد سعيد الصكار اعتاد الرجل المهاجر أن يترك مفتاح شقته لدى جارته المهاجرة مثله لترتّب الشقة الصغيرة وتُعنى بقطته، وربما أعدّتّ له وجبة العشاء.هذا اليوم لم يطرق بابها ولم يعطها المفتاح.مرت ساعة وساعتان ولم يمرّ بها. استبطأته، فجاءت تطرق الباب فلم يجب.
 فكرت أنه ربما سهر طويلاً وهو مستغرق الآن في النوم؛ وراحت تتذكر أيام الأسبوع؛ هذا اليوم يوم عمل وليس يوم عطلة. عادت بعد ساعة تطرق الباب، بلا جدوى. بدأت هواجسها تستيقظ؛ لم يكن من عادته أن يتأخر عن الدوام، وهو أصلاً ليس ممن يولعون بالسهرات؛ وحتى لو كان سهران فالقطة ستوقظه طلباً لوجبتها الصباحية.بعد الظهر ازدحمت الشقة الصغيرة برجال الشرطة ورجال الاسعاف، وكثر اللغط والمناقشات خارج الشقة بين الموجودين الذين أخذتهم الحيرة مما يرون؛ فقد كان الرجل يحتضن قطته بطريقة طبيعية جداً، كما لو كان يداعبها فأغفيا معاً؛ وبدا أنه لم يمرّ على موتهما سوى ساعات قليلة. ورغم مرور وقت غير قليل على بحث رجال الشرطة والأطبّاء وتشاورهم لم يفلحوا بتفسير ما يرون، كما لم يفلحوا باتخاذ قرار بشأن جثّة الرجل وقطته المستريحة على ذراعه.صوّروا المكان، قاسوا المسافات، خططوا بالطباشير موضعهما، سألوا الجارة ومن احتشد عند الباب من الجيران فلم يفلحوا بتفسر مقنع، وبقي واحدهم يتطلع إلى الآخر بحيرة، ولم يتوصلوا إلى قرار، مع أن لكل من الشرطة والأطباء تقديراته الضبابية.الافتراض الأول لدى الشرطة كان يقوم على أن تسمماً أودى بحياتهما، وهذا ما حمل الضابط على أن يطلب من رجال الإسعاف نقلهما لكي يشرّحوا الجثتين ويبحثوا عن طبيعة التسمّم، ولكن الطبيب أعلن فوراً أنه لا يستطيع تشريح جثة القطة لأنه ليس ببيطري، ولذلك عليهم أن يحملوها إلى المستشفى البيطري للتصرّف بها. ولكن الضابط، وقد تفرّعت هواجسه، طرح افتراضاً اخر، هو إمكان أن تكون هناك جريمة، فلم يقبل تفريق الجثتين إلى مستشفيين، لأن ذلك سيعقّد التحريات.قالت المرأة إنه من المستبعد أن تكون هناك جريمة، فالرجل في غاية الوداعة والاستقامة. أخرسها الضابط بإشارة فجّة من يده، وقال: هذا شغلنا؛ من طلب منك الكلام؟! وأصرّ على أن يجري التشريح في مستشفى واحد، وأشار إلى الطبيب أن يحملهما معاً، ولكن الطبيب رفض؛ قال إنه يتصرف ضمن اختصاصه، واختصاصه أن يشرّح البشر لا القطط.كان منظر الرجل وقطته مثيراً للشفقة، فقد كانت قطته نائمة بوداعة على ذراعه، وإذ لم يمضِ وقت طويل على مغادرتهما الحياة كانا يبدوان وكأنهما مستغرقان في النوم.في هذه الأثناء كان الخبر قد تسرّب إلى خارج الشقة، ووصل إلى أفراد جالية الرجل المهاجر، فجاء منهم جماعة من معارفه من بينهم مسؤول الجالية الذي زاحم رجال الشرطة عند الباب وأفلح في الدخول إلى الشقة والمشاركة في النقاش؛ وقد رفض بشكل قاطع إجراء التشريح لجثّة الرجل، أما القطة فليعملوا بها ما يشاؤون، فاعتُبر رأيه هذا ضرباً من الهراء، لأن جميع الجثث في هذا البلد تُشرّح ما لم تكن هناك وصيّة موثّقة ومسجلة رسمياً من قبل المتوفى بعدم إجراء التشريح؛ وفي هذه الحالة ينبغي أن تنقل جثته إلى بلده وعلى نفقته. أوضح الضابط ذلك بشيء من الغلظة والعجلة المشوبة بالاستخفاف جعل رئيس الجالية يقتنع بأن لا جدوى  من المناقشة، فانسحب إلى خارج الحشد وأدار رقماً على تلفونه المحمول وتكلم بنبرة من الاحتجاج، وحثّ المخاطَب على أن يقوم بدوره الذي من أجله انتخب رئيساً للجنة حقوق الانسان في هذا البلد؛ وكرر احتجاجه هذا على القنصل الذي سارع بالمجيء إلى المكان.خارج الشقة ازداد الحشد وتعددت وجوه النظر إلى الموضوع وبدأ النقاش يأخذ مأخذ الجد ولا يخلو من حدّة؛ بين مؤيد لموقف الشرطة ومؤيد لحق رئيس الجالية، في حين أثار موقف الطبيب قضية لم تكن في رأي البعض ذات أهمية كبيرة، وهي قضية القطة؛ فقد رأت إحدى السيدات المسنّات أنه لا ينبغي الاستخفاف بالقطة والعبث بجثتها، ورأت أن من واجبها، باعتبارها من رابطة حقوق الحيوان، أن تبلغ الرابطة بهذا الموضوع حفاظاً على حقوق القطة؛ وفعلت ذلك فأشارت عليها رئيسة الرابطة بتسجيل الواقعة وترك الموضوع يأخذ سياقه الإعتيادي.استغرق الكثير منهم في البحث عن تفسير لهذه العلاقة، وهذا المصير المشترك الغريب بين الرجل وقطته؛ وانتقل الحوار إلى البيوت؛ ودار في فكر البعض منهم أن الرجل محظوظ بالانفراد بهذا الموت الغريب الشبيه باللغز، في حين عدّها بعضهم من المعجزات، وأنها جديرة بالتأمل والاعتبار.ظهرت صحف المساء وعلى صفحتها الأولى صورة الرجل وقطته، مع استعراض مثير للفضول لآراء الناس والجهات المعنية؛ في حين مرت نشرات التلفزيون بشكل عابر على الموضوع، ولكن بعض الإذاعات المحلية أغرقت بتفاصيله ومضاعفاته، ولا سّيما إذاعة صوت المهاجرين التي ركزت على حق الرجل بعدم التشريح، وإذ كانت على علم بقوانين البلد في عدم تسليم أية جثة بشرية بدون تشريح، دعت الناس إلى التعاون على توفير مبلغ من المال لنقل جثة الرجل إلى بلده، مما أثار الشرطة، واعتبرته تدخلاً في اختصاصها، إذ كيف يتأتى للإذاعة أن تعرف ما إذا كانت هناك جريمة أم لا.قالت الجارة: إن الرجل كان يشتري لقطته أفضل الطعام، كان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram