لطفية الدليميكتاب، شعراء، فنانون، أو هم ممن يحملون صفة المثقفين -هل هم مثقفون حقا؟؟- يتورطون في مقتبل القرن الحادي والعشرين بترويج الخرافة وتسويقها، يتعاملون معها كأنها حقيقة الوجود الوحيدة ومنها ينطلقون لقياس الأحداث وتبرير الأفعال مندفعين في العتمة ومتنصلين من سلطة العقل.
تتعالى نبرة الغيبيات والتوجهات اللاعقلانية عندنا فنجد بعض الكتاب، ممن كانوا يدعون العلمانية أو يقاربون مقولات الحداثة والتنوير، يتخذون من ترويج الخرافة طريقا لترسيخ سلطة الماضي والوهم ونفي العقل وتحريم السؤال ، هم ليسوا بالمرجئة ولا بالمعتزلة ولا هم بالمتصوفة او العرفانيين، بل هم من المتلجلجين بين العقل واللاعقل يتقاسمون الخرافة سلوكا وترويجا مع حشد ممن يقولون بقدرية ما يحدث للناس من ظلم وتقتيل وإبادة ، على أنه باب بلوغ الخلاص وظهور المخلّصين ..يشترك مروجو الخرافة مع النزعة التدميرية لما بعد الحداثة التي ترفض التنوير و تدين العقل إدانة صادمة وتقف بوجه أية جهود لتحرير الإنسان عن طريق توظيف العلم والتقنية والعقل ،كلا الاتجاهين يسير نحو الهدف ذاته : إقصاء العقلاني والتنويري والخوض في فوضى غيبية او فوضى التشظي والتناثر في العماء : المولعون بالغيب يقصون العقل لصالح الخرافة، و المعنيون بما بعد الحداثة يقصونه لصالح التفلت من أي شكل من أشكال النظام للاستغراق في المجهولات وعشوائيتها.. يصنع البعض من الخرافة سبيلا لزج الجموع في الحظيرة الموصدة ، ويحشدونها في زاوية القدرية والتواكل، وهي جموع مجوّعة مفتقرة إلى الأمان تمتلئ قلوبها مرارة وجراحا منذ عقود، ويسوّق هؤلاء خرافاتهم في متون الصحف والخطب والكتيبات ، مبشرين -على نحو إنشائي وبلاغي - بالدولة الفاضلة ويوتوبيا المحرومين التي ستغرق غدهم بالنعم وتيسر لهم ما تشتهي أنفسهم من شبع ومتع، هذا الغد الذي لن يأتيهم قط محمولا على متن الخرافة، ولن يكون ثمة غد دون حاضر متسم بالعقلانية والنظرة العلمية للعالم ومجرياته ودون توظيف معطيات العلم ومنجزاته مع توفير الحد المعقول من كرامة العيش الإنساني ..كتاب وشعراء، لا يجرؤون على طرح سؤال الحرية ولا سؤال العدالة ، فكلمة الحرية بعد أن جرى تشويهها - غدت مكبلة بأغلال التحريم من قبل من يدعون امتلاك الحقيقة، فلا حرية ولا عدالة حين يعطل القانون ويغيّب العقل ولا يجرؤون على طرح موضوعة التنوير والتغيير ، لأن قوى مهيمنة تتحكم بحيواتهم وأرزاقهم .. كتاب كانوا من معارضي الديكتاتورية ومن المبشرين بالحريات، تنقلوا إلى خنادق الخرافة، واحتلوا الفراغ الحاصل من غياب مؤسسات مدنية راسخة ،كتاب وصحفيون يتبنون مواقف ضاغطة على الحريات والأفكار، ويروجون للدولة الشمولية بصيغة دينية او (سياسدينية) ينطقون باسم الطوائف التي لا ترى العالم إلا من زاوية واحدة وتسعى لإقامة نظام حكم متصلب لا يسمح بالاختلاف، ولا يقر التنوع، بل يفرض نمطا واحدا وثابتا للتعامل مع البشر، ومن يشذ عنه يعدّ مرتدا ويحق عليه الحد والقصاص من قبل أولئك الذين وضعوا أنفسهم في منزلة القانون، بل هم فوق كل قانون أو تعاليم سماوية مبشرة بالتسامح والعدل.. تكمن خطورة صانعي الخرافة من الكتاب والشعراء، في تسويقهم اللامع لها وترويجهم لها بأسماء وتوصيفات براقة ، مموهين على الروافع الحقيقية لتشكيل بنية الدولة الحديثة، معتمدين على عمليات تجهيل الجموع سابقا وحاضرا، ليدفعوا بها في الصراعات الهامشية، وتهييج مشاعرها البدائية إزاء مفهومات اجتماعية معينة كوضع المرأة في المجتمع، وعمل المرأة ومشروعية ظهورها واحتجابها .. أي كاتب هذا الذي يخون فكرة التنوير ويؤول ما شاء من معطيات الموروث لمصادرة كل آخر، ومهاجمة كل مختلف؟؟ وأي شاعر هذا الذي يتملق مشاعر الجموع المجهلة بتبني الغيبيات التي تعتنقها ، ويزودها بما يعزز غيبوبة العقل؟؟ نتمنى ان تكون حالة غياب الوعي حالة مؤقتة من نتاج فوضى الأحداث وصراع البقاء بين الطوائف وتناحر القوى والاستقطابات المتفاقمة ، وهناك كتاب من طراز آخر يفصحون عن فكر متقدم ويزاولون نقدا اجتماعيا يبدو متوافقا مع النظرة العقلانية المستندة إلى أحكام العقل والحداثة وهم يمارسون الخرافة سلوكا وتعاطيا بين أهلهم وعشيرتهم ،
قناديل :حـداثـيـون مـن رعـاة الـخـرافــة
نشر في: 4 سبتمبر, 2010: 05:12 م