علي حسين يغالبني الضحك وانا أقلب صفحات كتاب يتضمن ارشادات عن كيفية استغلال الوقت كتبه كاتب امريكي ربما لم يزر المنطقه العربية، وخصوصا العراق، ليدرك ان الوقت هنا بلا لون ولا طعم ولا رائحة، أقرأ نصائحه: «قرر الطريقة التي ستقضي بها وقتك
ولا تدع الآخرين أو الظروف أو العادات تقرر بالنيابة عنك».. اختنق ضحكا، إذا كان الآخرون يقررون بالنيابة عنا ويغيرون الدساتير ويتدخلون في كل شيء، فكيف لنا أن نتحكم في اوقاتنا التي تضيع بين خطب الساسة وانتظار ساعة الكهرباء الوحيدة والوقوف طوابير على كل شيء. اولا شيءالازمة ايها الكاتب العزيز أكبر بكثير من قراءة كتابك وتنفيذ نصائحك وأتباع آخر الدراسات، فالوقت لم يعد هنا بالذات كالسيف "إن لم تقطعه قطعك".او كما قال " القائد الضرورة " يوما " اضاعة دقيقة من الوقت اضاعة لفرصة من التقدم " فكان ان أضاع حياة العراقيين في تنور الحروب الذي التهم الاخضر واليابس. يذكرني كتاب الوقت بكتاب للراحل توفيق الحكيم اسماه " في الوقت الضائع" حيث سطر فيه عدداً من الأفكار التي كتبها أثناء مرضه الأخير أو مرحلة الوقت الإضافي الضائع من حياته كما أطلق عليه هو حيث أنه كان يرى أن حياته في الشوط الأخير، ولهذا قرر ان يعقد صداقة مع ملك الموت " عزرائيل". فقد كان يفكر في حياته ولا يرى لها معنى، ووقتها طلب الحكيم من عزرائيل أن ينهي حياته....وتخيله في شكل رجل بشري ودار بينهم حديث طويل إستخلص منه الحكيم أن عزرائيل ليس صاحب الصورة التي يرسمها له الغرب كهيكل عظمي حامل منجلاً لحصد أرواح البشر، فعزرائيل هو في الحقيقة صورة للموظف المجتهد المظلوم... هو العمل المتواصل الذي لا يعرف راحة... هو الكيس الذي يحمل بداخله ما يلقى فيه من لعنات البشر. اعود للمؤلف الامريكي الذي يخبرنا بان اليوم 24 ساعة، والساعة 60 دقيقة، والدقيقة 60 ثانية، يعني اليوم فيه 86400 ثانية بالتمام والكمال ومع ذلك لا يكفي حسب رايه، لا يكفي ماذا؟.. ونحن نشعر بان حياتنا ضائعه نلهث خلفها لدرجة انقطاع انفاسنا. تخرج في الصباح للذهاب إلى مكان العمل، فإذا كان مقر عملك في وسط بغداد، وتقطن في مدينة الصدر اوالاعظمية او غيرها من مناطق بغداد، فعليك أن تستيقظ قبل موعد العمل بثلاث ساعات، لتستعد للنزول، متوقعاً أن تقضي ساعتين في الأقل في طريق قد لا يستغرق نصف ساعة في الأكثر، ناهيك عن حالة التوتر التي تصيبك من أصوات" منبهات سيارات الشرطة "، وحالة الصراخ التي تحيط بك عندما يمر مسؤول، والألفاظ النابية التي تتلقاها لو سولت لك نفسك بمضايقة موكب السيد المسؤول، ولن يختلف الأمر كثيراً إذا كنت تركب " كيا " او تاكسي. تصل العمل منهكا لتجد في انتظارك من لم يقرا وصايا مؤلف " الوقت " فيبدا معك حديثا مملا مكررا، ليتحول بعد ذلك الى معاناة اشبه بمعاناة الطريق،، تحاول ان تنهي عملك وسط هذه المنغصات، حتى تستعد لرحلة العودة القاسية، ساعات أخرى في الطريق إلى البيت،، تريد أن تستريح قليلاً.. فلديك غدا مسيرة أشبه بمسيرة اليوم وهكذا يستنزفنا الوقت، الساعة تأكل الأخرى، واليوم يلتهم الآخر، ويمر العمر، يمر الوقت الأصلي للحياة، لتصبح احلامنا وآمالنا جزءاً من الوقت الضائع،.اعرف جيدا اننا شعب لا يشعر بالوقت، لا يقدر قيمته، لا يهتم به، ولا يستثمره، نقضي ايامنا وليالينا نثرثر في كل شيء، لا نفعل أي شيء،نتحدث عن الدستور، والحكومة وكرة القدم والاقتصاد والمسلسلات والفقر، ثم نهز ايدينا وننصرف الى النوم. اعود للكتاب أقرأ فيه: "اتخذ قراراً وقم بالعمل على ضوء هذا القرار"، حاضر يا أستاذ.. سأغلق الكتاب وأستعد فوراً للذهاب، طبعا يمكن للبعض منا ان لا يستجيب لوصايا المؤلف خصوصا اذا كانت في انتظاره على الطريق عبوة ناسفة او قناص ينهي عبث الوقت الضائع.
العمود الثامن :مؤلف " بطران "
نشر في: 4 سبتمبر, 2010: 05:45 م