TOP

جريدة المدى > تحقيقات > طفل برتبة عقيد.. وسوق فـي بغداد يصنع القيافة العسكرية للصغار

طفل برتبة عقيد.. وسوق فـي بغداد يصنع القيافة العسكرية للصغار

نشر في: 6 سبتمبر, 2010: 05:59 م

تحقيق وتصوير/إيناس طارق كان لوالده الذي استشهد في انفجار استهدف مركزاً للشرطة ببغداد تأثير كبير عليه.  وعلى الرغم من انه لا يتذكر ملامح وجهه إلا انه يسمع كثيرا عنه من خلال والدته وجدته اللتين كانتا تحتضنان بزته العسكرية لتجهشا بالبكاء كلما دخلتا غرفته.
هكذا تحول العيد بالنسبة لـ"بلال" الصغير مناسبة لتذكر أبيه عبر التشبه بملابسه العسكرية. لذلك طلب خياطة بزة تحمل على جانبيها، من الكتفين، رتبة "ملازم أول" وهي  الرتبة ذاتها التي كان يرتديها والده، ولتكتمل القيافة العسكرية اقتنى بلال مسدسا من البلاستك، أيضاً. وبينما كنا نستقل السيارة ونتوقف كثيرا لشدة ازدحام الشوارع، اضطررنا الى أن نسلك طريقا فرعيا وكان يؤدي إلى منطقة العلاوي وسط بغداد.هذا الطريق كان فيه الكثير من محال خياطة الملابس الرجالية العسكرية، القيافة الرسمية تحديداً، لكن الغريب في الأمر أن البعض منهم يضع في واجهة محله ملابس عسكرية للأطفال! الأمر الذي أثار فضولنا وجعلنا نقترب من احدهم، ونسأله عن ملابس الشرطة  الزرقاء وملابس الجيش والشرطة الاتحادية المرقطة. كان العمال في غمرة انشغالهم بتعليق الملابس وتغليفها. سلمان صاحب احد محال الخياطة، وهو يمارس المهنة منذ 35 عاما، يقول:"هذه السنة تحديدأً زاد الطلب على خياطة الملابس العسكرية للأطفال من قبل ذويهم حتى الطفل ذاته عندما يأتي بصحبتهم يطلب بدلة وقبعة عسكرية، ومنذ بداية شهر رمضان نستقبل يومياً ما لا يقل عن 10 طلبات للأطفال فقط، والكثير منهم يطلب وضع رتب عسكرية على "البزات".ويؤكد سلمان ان خياطة الملابس  العسكرية لا تحتاج الى موافقات أمنية او إبراز هوية المنتسب.اما مساعده ابو علي فيوضح  ان أسعار البزات العسكرية للأطفال تصل الى 15 ألف دينار، وان لدى المحل الذي يعمل فيه طلبات كثيرة من محال  في سوق الجملة في الشورجة والسوق العربي، فيما يؤكد انه يجهز السوقين يومياً بما يقارب الـ 40 قطعة سيما مع اقتراب العيد.ومع اقتراب ايام شهر رمضان على الانقضاء، شهدت الأسواق المتخصصة ببيع ملابس الأطفال في بغداد إقبالاً لافتاً على الشراء من اجل إدخال الفرحة الى نفوس أطفالهم، لكن البعض منهم لم يجد في شراء الملابس الاعتيادية ضالته فيطلب شراء ملابس عسكرية، ومسدس "صجم" او ليزرية وهذه الأسلحة الجديدة غزت الأسواق قبيل أيام العيد.وعلق احد المتواجدين بالأسواق بصحبه ابنه "يوسف"  البالغ من العمر 7 سنوات، الكثير الإلحاح على والده باقتناء "بزة" عقيد، قائلا: استيقظ "يوسف" في الصباح وكان سعيدا بالحديث عن ملابس العيد التي وعدته بها، لكن الغريب انه لم يطلب "لعبة" او "كرة قدم" كعادته بل اصر على الملابس العسكرية والمسدس.ويضيف والد يوسف:كان دائم الإعجاب بجارنا "العقيد" ذي النجوم المتعددة والتاج على كتفيه وكان فضوليا بالسؤال عن عمله، ويمعن النظر  الى مسدسه، لذلك يريد ان يكون شبيها به وبعمله. اما "يوسف" فيقول ببراءته:أريد أن أكون شرطيا واقتل الإرهابيين.. أحب اللعب مع أصدقائي بالملابس العسكرية حاملا مسدسي. يبدو ان ظاهرة ارتفاع الاسعار التي غدت ملازمة لمثل تلك المواسم قد تركت غصة وحسرة في نفوس العديد من الآباء والأمهات، فوجدوا سبيلا لتنفيذ طلبات أولادهم بخياطة بدلات عسكرية يقضون بها أيام العيد، بدلاً من كثرة طلباتهم لاقتناء ملابس عديدة،خصوصاً العائلات ذات الدخول المحدودة التي لا تقوى على دفع التكاليف الملتهبة لقائمة ملابس الأطفال في العيد.  تقول ام سيناء وهي  والدة لأربعة أطفال، اثنان من أولادي طلبا ارتداء ملابس ذات الوان عسكرية، خصوصاً البنطال المرقط، وهذه الملابس رخيصة لا يتجاوز سعر  البنطال منها 3500 دينار فقط والقميص 2000 دينار، وتضيف السيدة انها لو اشترت  ملابس "مدنية" على حد تعبيرها، لكانت قد حرمت الفتاتين من شراء ملابس العيد، لان دخلهم محدود جداً، فزوجها لا يجد فرصة عمل تتيح له مصدرا كافيا للمال، وتعلق قائلة:"انه يوم يعمل ليبقى عشرة اياما عاطلا عن العمل". عائلة السيدة وأطفالها تعيش في ظل هذه الظروف تسكن في غرفة صغيرة في احد فنادق منطقة العلاوي.أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية فراس عبد الساعدي يقول ان هذا الامر يبدو خطيراً جدا، لان الطفل بدأ يلجا الى العنف وامتلأ عقله بمشاهد العنف والتفجيرات ومظاهر العسكرة، ما جعلهم يفكرون بالدخول في المنظومة الأمنية وإيجاد الحلول عبر ارتداء الزي العسكري وقتل الإرهابيين على حد تفكيرهم، وهذا التفكير يؤثر على الأطفال الذين ينشأون في أوضاع غير مستقرة ومتوترة امنياً، فكيف يمكن ان يطلب أطفال بعمر الزهور ارتداء بدلات عسكرية مشابهة لبدلات  أوليائهم الذين قتلوا بسبب الأعمال الإرهابية، إذن  هم بهذه البدلات سوف يختارون مستقبلهم  بـ"عسكرة مبكرة"  ويحملون سلاحاً ويتعلمون التصويب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مخاوف تسلل "داعش" من سوريا تتزامن مع حوادث "مريبة" في كركوك

المجلس العراقي للسلم والتضامن يعقد مؤتمره الخامس وينتخب قيادته

الرئيس مسعود بارزاني يحيي المؤتمر

كلمة فخري كريم في المؤتمر الخامس للمجلس العراقي للسلم والتضامن

الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram