TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: انه يكتب كما يأكل

العمود الثامن: انه يكتب كما يأكل

نشر في: 13 سبتمبر, 2010: 05:41 م

علي حسينقصائد كتبت بحرارة الحس والقلب، من دون التفلسف الذي يفسد على الشعر حيويته، من دون النفخ الفارغ في جلد اللغة. هكذا شعرت وانا انهي قراءة  الصفحات الاخيرة  من  ديوان الشاعر شيركو بيكه سي " الكرسي "، قصائد خطتها ريشة رسام لايغمض له جفن، فهو يقظ ابدا، يتسقط الكلمات بالعين فيوقد  منها صورا تتناثر منها  المعاني في كل صوب 
وتراها العين في نثارها وتجمعها في اضطراب كاضطراب الحلم، قصائد تنتعش بروعة المستحيل وهذا سر من اسرار العشق وهو عند شيركو عشق دائم جريح، ساخر من نفسه، لايبالغ ولايهول، اسير المفارقات المستمرة التي تجعله يحذر قارئه: "لاتقرأني كثيرا لانك ستصاب بالعمى من كثرة الدخان في تاريخي اياك ان تعبر هذه القصيدة حافيا فهي مليئة بشظايا الزجاجفقبل قليل سقطت من بين اصابعي احدى مرايا الحزن وتهشمت على الارض "كلمات كتبت  بلغة الحياة بلا تعال عليها، وبموسيقى أشبه بفوضى أصوات البشر. ولم يكن ذلك غريبا على شاعر  أخلص لقضيته وغاص في مأساة شعبه‏,‏ مدركا جذرها القومي‏,‏ وامتدادها الإنساني‏,‏ مؤكدا بإبداعه أن المأساة الكردية  هي مأساة القمع اللاإنساني الذي مارسه طغاة  يشوهون الحياة لأنهم أعداؤها‏,‏ وينشرون الدمار حيثما حلوا لأنهم كالكائنات الوحشية المنطلقة من الجحيم‏,‏ يدعمون الظلم والتعصب ‏,‏ مدركا أن العدل مطلبه في كل مكان على ظهر الأرض‏,‏ وأن الانحياز إلى المقموعين المظلومين هو انحياز إلى معذبي الأرض في وطنه الذي ظل عقودا سجين براثن وحشية‏,‏ تنهش الضحايا على امتداد الكرة الأرضية. كتب الشاعر حمزاتوف مرة متسائلا ماذا يعني ان تكون شاعرا؟انها تعني ان يعيش الناس في دمائك، يغتسلون في عروقك.ويكتب شيركو:"الشاعر يشبه حصاناً أسود وحيد عرفه خصلة نار وصهيل مبلل بالأنكسار يجري في دوران دائم"نقرا " الكرسي "  لنحدق في ذواتنا الممزقة بالغيابات والجثث والاشلاء، وتلك الطفولة المضنية ككوكب انفصل عن هذه الارض الصدئة، لندرك اننا نعيش في قلب تراجيديا الحزن. لم التق شيركو الامرة واحدة حيث استمعت اليه في امسية شعرية ضمن فعاليات اسبوع المدى عام  2007، عندها انتبهت الى انني أنصت الى  ينابيع تتدفق من جبال كردستان، الى ايام في الطفولة سرها مازال غير مكتشف، الى ايام مضت في غرف هادئة كتيمة، الى صباحات جوار البحر، الى البحر ذاته.قال فوكنر عن همنغواي" من الصعب ان يلجا الى القاموس في كل كلمه يكتبها، انه يكتب كما يأكل"وشيركو يكتب كما يعيش في طرقات المدن، في حدائقها، في جبالها، في سهولها، اشبه بطير ابيض يغني قصائد ترتبط بنبض الارض وهسيس العشب وضمير الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram