عبدالله السكوتي والعلم هنا مأخوذ من العلم الذي يرفع فوق دار السلطنة، وهذا تعبير عن الشخصية المرموقة والقوية والراكزة، والمؤثرة، ومادامت هذه الشخصية واقفة كعلم السلطنة، فالناس معها أما إذا قلب لها الدهر ظهر المجن، انفض عنها المساعدون والأتباع، ويحكى في هذا انه لما نكب الوزير علي بن عيسى ، جفي من قبل الناس جفاء عظيما، وهجره الناس قاطبة، ولم ينظر ببابه احد من أصحابه وآله وإخوانه الذين كانوا ملازمين له أثناء وزارته ،
فلما ردت إليه الوزارة، تزاحم الناس عليه وتسابقوا للقياه ، حينها تمثل بقول أبو العتاهية:وما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها فحيثما انقلبت يوما به انقلبوا يعظّمون أخا الدنيا فان وثبت يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا وهذا أمر مألوف الحدوث، فالأتباع أتباع للمنصب، والأصدقاء أصدقاء للكرسي، وحيثما يحل المرء فهو يبحث عن دعة العيش ورخائه، والمفاضلة تأتي حين تكون الكفة راجحة قليلا أو ربما مائلة قليلا عن الرجحان، أما حين يكون الطرف فاشلا، فقد تكون النجاة في التخلي، وسيكون الإخلاص عندما تكون هناك فرصة للفوز، وقالوا أيضا إن الناس أصدقاء القوي، وهم دوما يبحثون عن مصالحهم، وهذا حق من حقوقهم، ولا يمكن لأحد مصادرته، وهذا ما حدث في دلالات كثيرة تركها لنا التاريخ، ومنها معركة عبد الملك بن مروان مع مصعب بن الزبير، حيث وجد جيش مصعب أن الكفة تميل لعبد الملك فانحازوا إليه، وانتهت الحرب، ومصعب أراد أن يعطي مثالا في البسالة والشجاعة لا يستطيع أن يطلبها من غيره من الناس، فسأل احد الذين كانوا معه، ماذا قال شاعر الحسين بن علي بن أبي طالب عند استشهاده، فقال: وان الذي بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا عندها صمم مصعب على المضي في القتال منفردا هو وابنه، وكان أن قتل في حرب غير متكافئة ، بعد أن أعطاه عبد الملك الأمان بشرط الاستسلام، وهذا الأمر غالبا ما يكون نتيجة يحصدها المتسلطون والطغاة، من أمثال عبد الملك وغيره، ولو شاء القدر أن يكون عبد الملك مكان مروان بن محمد آخر أباطرة بني أمية، لكانت مصائرهما متشابهة، ولانتهى إلى ما انتهى إليه مروان، لان الكفة في حينه كانت مع العباسيين، على هذا الأساس لا يستغرب احد من تغيير البعض لقناعاتهم خصوصا وان الكفة لدينا متحركة ولم يقف طير السعد بعد على أي رأس من الرؤوس، مع مباركة بعض الدول هذا العلم أو ذاك، ومع هذا فان الديمقراطية التي تبنى على أسس قوية ستكون ثمارها ناضجة، أما التي تأتي بالمجاملات والفرض بعيدا عن الاستحقاقات، فهذه ما تلبث أن تعيدنا أدراجنا إلى الخلف لتكون نواة حقيقية لتسلط جديد، وديمقراطية هشة لا تلبث أن تنهار، ومن ثم فالشخصيات التي تفرزها ديمقراطية كهذه تعتمد على المساومة ولا تكون قوية بمستوى معين تستطيع من خلاله فرض القانون ومحاسبة المسيئين والمجرمين، لأنها ستكون مجبرة أن تداري هذا وذاك ردا للجميل.
هواء فـي شبك: (الناس ويّه علم الواكف)
نشر في: 15 سبتمبر, 2010: 07:53 م