TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مشروعية الثقافة في التغيير

مشروعية الثقافة في التغيير

نشر في: 18 سبتمبر, 2010: 04:31 م

ياسين طه حافظ1-2لسنا على خلاف مع أحدٍ يقول ان الجماعات الإنسانية تشترك في امتلاك الإرث الثقافي البشري. لكننا نختلف حين يهمل البعض الفوارق في استيعاب هذا الخزين ويهمل التجارب الشخصية معه. للثقافة فعل في جماعة يختلف عن فعل الثقافة نفسها في جماعة أُخرى. وكذا الحال بين الأفراد. وحتى الثقافات المنبثقة او المتطورة من ثقافة ما، هي ثقافات تحمل اختلافاتها باختلاف طرائق  تطورها وتفاعل الناس معها.
وما يعقد المسألة أكثر ان الثقافة عادة ما تزوّد الأفعال بتوجيهاتها. فلا استعمال ماكنة الطباعة واحد، ولا استعمال الآلة واحد، ولا طرائق تناول الطعام واحدة، ولا الفعل الجنسي او النوم او تربية الأطفال.وهذا ما يزيد او يُبقي الاختلافات بين الجماعات الإنسانية كما يبقي الاختلافات بين أفراد كل جماعة .ان لدينا أمثلة كثيرة على عدم استقلال "عِلْميّة" الطبيب الجراح، وان طبيبين من التخصص نفسه ولهما زمن خبرة واحد وتقارب في الذكاء الشخصي، يختلفان في التصرف لأسباب أُخرى لا علاقة لها بالأدوات او المواصفات. بل ان وراء الفعل الإجرائي مؤثرات واضح أثرها، مجهولة جذورها الثقافية.الثقافات، اذن، مثلما هي تراتبية، هي مختلفة أيضا.ومثلما تزيح ثقافة مهيمنة. ثقافة أُخرى، الثقافة الأُخرى لا تستسلم طوعاً، وإذا استسلمت تترك بعضا من تأثيراتها تعمل في الثقافة الضد، لا لان الأولى قوية ولكن لأننا في الأساس لا نزال بحاجة اجتماعية تسوّغ حضور الثقافة الجديدة.نعم نحن  نريد ثقافة ولا معنى للعصر بلا ثقافة والحضارة ناتج مكونات ثقافية، لكننا نتحدث عن الفعل القسري للثقافة، أي ثقافة، ضد أُخرى. ليس هذا امراً هينا اذا علمنا "ان الثقافة هي جملة المنجزات الفنية والفكرية والأخلاقية التي تكون تراث الأمة..." والقسر هنا، عمل لا يمكن قبوله بافتراض الصلاح وعدمه. فنحن لا نحتكم بالأمور النسبية، كما ان ضرورات التقدم والمستقبل لم تحدد بعد بشكل يرضي كل المجتمعات او كل الثقافات. ان وحدة الجنس البشري منطلق جيد وذو جدوى مشتركة. كما انه إنساني مكتمل الإنسانية. ونحن لا نأتي بجديد حين ندعو لذلك. فذلك كان قبل التوسعات الإقطاعية وقبل الخطوط المنقطة وغير المنقطة على الخرائط وقبل القوميات وتحديد الانتماءات، أي حين كانت البراءة ولم تكن للمنفعة مكاتب..ان صراع المصالح، ثم الصراع الخفي مرة والواضح مرة للثقافات، جعلا للثقافات الحديثة المدعمة بالمال والسلاح، دوراً خطيراً في الهيمنة والتنكيل وابتداع الحجج العقلية للتدمير والتغيير، ليس كل فعل ثقافي هو ثقافي صرف. قد يحمل الفعل الثقافي في داخله "عدوانية" من نوع ما تحدث ضرراً من نوع ما، وتجاوزا على الإنسانية ومستقراتها المعرفية من نوع ما أيضاً. المعارف والقيم الثقافية المستقرة احتياجات أمة او مجتمع في مرحلة حضارية معينة هي فيها. فقضاء الثقافة الأوربية، والأمريكية من بعد على ثقافة الهنود الحمر، كان عملا مقبولاً حضارياً وأوجدت له الثقافة الكاسحة مسوغات عقلانية. لكن المثقفين الأمريكيين أنفسهم، والأوربيين،  وبعضا من مثقفي العالم، أدركوا من بعد ان خسارة حصلت وانهم راحوا يجمعون الوثائق ويدققون في تفاصيل الأحداث لفهم بعض جوانب تلك الحضارة. وعندنا في العراق، الثقافة الشرسة التي قررت تجفيف الاهوار ومساندة الحدث الطارئ على الدائم او الأبدي، ادت إلى نتائج فادحة لبيئة البلاد وطبيعتها. وان الثقافة التي ارتضت ذلك لسبب عسكري مؤقت، كان رضاها على حساب ثقافة أُخرى لها مدركات أُخرى. وهذا ينطبق على أمور كثيرة في الجراحة وشق القنوات والأنفاق واستنزاف باطن الأرض، وقضية الأوزون وما يقع في الكون من أخطاء هو نتاج ثقافة خاطئة.قد تكون  مناسبة لان أقول ان الإغريق انتبهوا لهذه المفارقة بين ثقافة وثقافة: ففي مسرحية "الفرس" لاسخيلوس نجد رأيين لثقافتين من زمن واحد، فاكزركسيس في المسرحية مدان بالإفراط في الزهو والتعجرف. – ليس لأنه فقط حارب الإغريق، بل لأنه أيضا ارتكب شيئا فظيعاً ضد الطبيعة ..، لقد شيد قنطرة او ممراً عبر الدردنيل، فهو بالنسبة لاسخيلوس والاغريق قد ارتكب أمراًَ شنيعاً لكون الطبيعة لا يجوز إيذاؤها على هذا النحو الطائش ... ومثال هذا التضارب يحصل اليوم في أذهان العلماء التطبيقيين والتكنولوجيين ويشغل مثل هذا التضارب أفكارهم بوصفها لا إجراءات آنية، ولكنها منافع نسبية ومصالح غير متفق على سلامتها. وبالنسبة لعصرنا وانغمار الشعوب في التكنولوجيا الغربية يتضح تضارب الثقافات أو تضارب المصالح بصورة قد تسبب التصادم. نعم، ان انتقال المضمون الثقافي من الجماعة إلى الأمة ومن الأمة إلى الأمم ثم إلى الإنسانية كلها، يعدّل كثيرا في المفاهيم، و في الأقل يجعل العزاء في سوئها انها أفعال ليست من طرف معادٍ، ولكنها نتائج أعمال إنسانية مشتركة. وهنا يصبح الاهتمام لا بما "يجب" ولكن بما عليه الثقافة في المجتمعات للإفادة من المشتركات ولايضاح مصلحة الإنسان بعامة، وهذا يعني تهيئة فرصة لان تختار الجماعة، أو الأمة، من الثقافة الأُخرى ما هي بحاجة اليه ، ما ينفع واقع الناس هناك.لن تختفي الخسارات، بل في الأقل سنكون تحت إشراف منهج فيه رؤيا مستقبلية وفيه علمية اشتركت في صنعها الإنسانية لا الأعراف ولا الإقطاعيات او المصالح ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram