باريس ـ يوسف المحمداويوأنا أتجه صوب تلك الكاتدرائية التي كحلت بأبهة تصميمها وتزاحم نصبها ضفة نهر السين في باريس، عدت متجاهلاً خطوات أحداقي المتلهفة لرؤيتها إلى منطقة الميدان في باب المعظم، وبالتحديد كنيسة سيدتنا مريم العذراء، كنت حينها أعمل سائق سيارة أجرة تكسي، ويومياً أقوم بنقل خط لموظفات في إحدى دوائر الدولة مقابل ثمن طبعاً، وكانت من بين الموظفات فتاة مسيحية بمنتهى الأخلاق والخلقة،
 وتوطدت العلاقة بيني وبين الموظفات وقمنا بزيارات سياحية فضلاً عن زيارات  للمراقد الدينية، وكانت شذى ترافقنا في جميع تلك المناسبات، وأتذكر احراجها في مرقد أحد الأولياء حين خلعت العباءة التي استعارتها من إحدى زميلاتها الموظفات، ليأتيها أحد العاملين في المرقد بعيون حمر غاضبة كسدارته صارخاً بها... تحشمي يا امرأة.. ارتدت العباءة احتراماً منها لقدسية المكان وأوامر جابي النذور، وتكرر المشهد عدة مرات، وفي أحد الأيام طلبت منا مرافقتها لزيارة كنيسة سيدتنا مريم العذراء لمناسبة لا أتذكرها بالضبط.. وبالفعل ذهبنا إلى هناك ووجدنا عند الباب صندوقاً يحتوي على حجابات ملونة أعدت للنساء، ودخلنا الكنيسة ولشدة روعة المشهد وما هالني داخل الكنيسة من صدق القداسة، وطهارة الطقوس فيها صحت ومن غير إدراك وبأعلى صوتي (اللهم صلَِِِِّ على محمد وآل محمد)، التفت جميع من في الكنيسة باتجاهي، بنظرات وجدتها تردد معي ما قلت بابتسامة ود.. وسارعت شذى لتطويق حيائي بقولها، هناك يوقد الشموع من يبتغون النذور وعلى يمين مائدة الشموع سلسلة من الفضة يمكن أن ترتديها في رقبتك وتقوم بهزها يميناً ويساراً فإذا ما تعشقت على الرقبة سيتحقق ما تريد، وأقسم بكل معتقداتي أنه في ليلة ذلك اليوم جاء في الحلم سيدنا المسيح وسيدتنا مريم عليهما السلام، ووضعت العذراء في يدي شيئاً لم أعرفه، ولكن ما أعرفه أن زوجتي الحامل رزقت بفتاة جميلة أسميناها مريم، وكانت أولى المباركات لولادتها المسيحية شذى بلعبة أطفالٍ جميلة.rnبنيت وفق العمارة القوطية         عدت بالتلهف متعكزاً على معلومات أخي كاظم وعائلة صديقه لوك الذي قال: أن فيكتور هيجو بروايته الشهيرة (أحدب نوتردام) هو الذي دفع بالسلطة السياسية آنذاك للالتفات بجد لصيانة وإعادة ترميم  كاتدرائية نوتردام وكلفت أحد ابرع المهندسين في ذلك وهو فيولي لودوك، واقيمت الكاتدرائية في مكان بناء أول كنيسة مسيحية في باريس، وهي (بازيليك القديس  استيفان)، والتي كانت بدورها مبنية على أنقاض معبد جوبيتير الفاروماني، والنسخة الأولى منها هي كنيسة في غاية  الجمال بناها الملك شيملدبرت الأول ملك الفرنجة عام 528 م لتصبح كاتدرائية مدينة باريس في القرن العاشر بشكلها القوطي، سألت كاظم ماذا يقصد صديقك بشكلها القوطي.. قال: أن العمارة القوطية هي مرحلة من العمارة الأوروبية، التي تميزت بأشكال هيكلية متميزة وتعبيرية جديدة ظهرت في أواخر القرون الوسطى، وبالذات من منتصف القرن الثاني عشر الميلادي حتى عام 1400 م، وظهرت تسمية الفن القوطي مع مثقفي النهضة الإيطالية الجرمانية التي اجتاحت إيطاليا في القرن الخامس عشر الميلادي. ومن أبرز مواصفات  الطراز القوطي في العمران هو وجود الأقواس البارزة، والعقود المعمارية المضلعة والدعائم الطائرة أو ما تسمى بالأكتاف.rn بناها أحد القادة العثمانيينلا تجد طريقاً لعينيك أو قدميك بين الجموع المحتشدة على واجهات الكاتدرائية من جوانبها الثلاثة، فلا بد من بذل جهد في أخذ مكانتك بينهم والإصغاء بأنف طويل لعبق التاريخ وبذهن مفتوح لحقيقة بداية تكوين هذا الرسوخ، الزائرون كما قلنا في يومياتنا السابقة كما عهدناهم منتخب للإنسانية جمعاء، أديان مختلفة، إيديولوجيات متنوعة، أجناس تكورت فيها الكرة الأرضية جمعاء، قبلة جمال وقدسية  وجود دائم توحدت عند أبوابها حدقات الإعجاب وتساؤلات العقول النيرة لإدراك سر البقاء.. قد يكون لهيجو سبب في ذلك ولكنه هامشي إزاء الأحداث التي مرت بها، الغريب أن اسمها بالعربية يعني سيدتنا مريم العذراء، وهذا ما يعيدني إلى ما رددته في كنيسة سيدتنا مريم العذراء في ميدان باب المعظم، والتي تعد أقدم كنيسة للأرمن في بغداد حيث بنيت عام 1639 ميلادية،خلال فترة حكم العثمانيين بناء على طلب أحد القادة العسكريين الذي كان ارمني الأصل.rn182 عاماً فترة بناء الكاتدرائية يعود تواجد الأرمن في العراق لعدة قرون بعد أن نزحوا على شكل موجات عبر إيران، واستوطنوا في بداية الأمر جنوب العراق، حيث أنشئت لهم ابرشية في البصرة عام 1222 ميلادية، بعدها اتجهوا  نحو العاصمة بغداد وسجلوا كطائفة تدين بالمسيحية عام 1638، لذا من الممكن القول أن وجه التشابه الوحيد بين كاتدرائية نوتردام الموجودة على ضفة نهر السين وكنيسة سيدتنا العذراء في منطقة الميدان هو الاسم فقط، أما البناء والموقع والتواجد وتنوع الزائرين فتلك الأمور ذهبت مع (اللهم صلّ على محمد وآل محمد) التي أطلقتها داخل الكنيسة يوماً ما.يقول لوك أن كاتدرائية نوتردام أصبحت وعلى مدى العصور مركزاً للصلاة واللقاءات الثقافية، لكن الغارات الرومانية  كان لها رأي آخر حيث قامت بتدمير الكنيسة&a