اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الوطن ومفهوم التضحية

الوطن ومفهوم التضحية

نشر في: 18 سبتمبر, 2010: 06:35 م

محمد صادق جرادتطفو مفردات الموت والتضحيات والقرابين في أيدلوجيات الشعارات العربية وأدبياتها ونجدها تطغى على مفردات أخرى كالحياة والتقدم و السلام  حيث ترسخت في ذاكرة الفرد في هذه المجتمعات قناعات خاطئة مفادها ان الأوطان لكي تتقدم تحتاج الى القرابين والدماء وسلب أرواح أبنائها .
 وحسب هذا المفهوم نجد ان الوطن لكي يعيش لابد من أن يموت شبابه تحت شعار (نموت نموت ليحيا الوطن ) . وهذه المفاهيم والشعارات وجدت الدعم والتأييد من قبل الأنظمة الدكتاتورية التي زرعتها و سخرتها لخدمة ممارساتها التعبوية وجعلت من الموت شرطاً ودليلاً على حب الوطن وربطت بين المواطنة وبين الولاء للقائد او الحزب  وبقيت الأوطان على مدى العصور تسقى بدماء أبنائها ولم ترتو ولم تتقدم يوماً بل ظلت تراوح في مكانها وفشلت في ان تهب أبناءها الحياة وتعوضهم عما قدموه من قرابين في طريق العزة والكرامة والسيادة المزعومة.ومن الجدير بالذكر ان هذه المفاهيم تجسدت في أدبيات العرب وعبر قصائد الشعراء .وقد لا أجد من يتفق معي عندما انتقد  قصائد ترسخت في ذاكرة الأجيال العربية ومنها أنشودة ( لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما .لبيك ان عطش اللوا سكب الشباب له الدما).ونجد هنا ان لغة الدم والموت تطغى على معاني هذه الأنشودة , ونلاحظ تكرار مصطلح الجماجم في أدبيات الأمة العربية في  أكثر من قصيدة وهي تلك التي تحصدها ممارسات الحكام الخاطئة في زج بلدانهم في حروب غير عادلة مع عدو خارجي مفتعل جعلته السياسات الخاطئة للأنظمة الحاكمة طرفاً في حرب تأكل الأخضر واليابس معاً او عدواً داخلياً كل ما اقترفه انه لم يؤمن بفكر الحزب والحاكم  .ونريد ان نقول هنا ان ملايين الجماجم التي قدمها العراقيون في الحرب العراقية - الإيرانية وفي عملية اجتياح الكويت إضافة للجماجم التي عثر عليها في المقابر الجماعية بعد سقوط النظام الشمولي في العراق في 2003 كل هذه الجماجم لم تكن كافية لتصبح سلماً لعلم العروبة وبقي العراق بعيداً عن التقدم والرقي والعيش الرغيد لعقود طويلة.وهنا لا بأس بالاستشهاد بقصيدة الشاعر الكبير الجواهري وهو يقول (بلد دعائمه الجماجم والدم,  تتقدم الدنيا ولا يتقدم) رداً على شاعر عربي قال نفس البيت ولكنه قال عن هذا البلد (تتهدم الدنيا ولا يتهدم) .حيث يوافقنا الجواهري الرأي بأن الدماء والموت لا يساعدان إلا في تأخر الدول وان ما يساهم في تقدمها هو عرق أبنائها وإبداعاتهم حين يشعرون بأنهم ينتمون فعلاً لوطن يعترف بقيمتهم الإنسانية ولا يعتبر المواطن فيه مجرد نسمة او رقم ممكن أن يضحى به. وعبر هذه العقود التي عاشها العراق في ظل أعتى الأنظمة في المنطقة وجد الإنسان فيه نفسه أمام خياران كلاهما مرّ فإما ان يضحي من اجل قضية لا يؤمن بها ليلفه علم العروبة ويأخذه صوب الموت او يموت ميتة أخرى بعنوان الخيانة العظمى او التخاذل، حتى صار الوطن كالآلهة التي تقدم لها القرابين وكالغول الذي  يأكل أعزاءنا ويلقي بهم في بطنه ولا يعرف الشبع ,مما اضطر أبناءه إلى مغادرته إلى بلدان أخرى طلباً للعيش بسلام بعيداً عن الجماجم والحروب والسجون وكتّاب التقارير وقاطعي الرؤوس والألسن .واليوم وبعد ان تخلصنا من الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على حكم العراق وبعد انتهاء مرحلة الانقلابات والثورات وبداية مرحلة التغيير الديمقراطي  نجد أنفسنا من جديد أمام أيدلوجيات الموت الدينية الضيقة التي ترفعها عصابات القاعدة تحت شعارات الجهاد وقتل النفس التي حرم الله ,لتستمر مسيرة التضحيات لأبناء العراق ولتزيد من ثقل ومرارة الألم من فقدان الأعزاء والهدف المعلن هذه المرة بناء الدولة الإسلامية حيث نشهد تنامي ضروب جديدة من الاستبداد الفكري ينمو في الساحة الإسلامية عبر ظهور أيدلوجيات شمولية تفسر الدين بما يتلاءم مع مصالحها لتمنح نفسها شرعية قتل الآخرين ليتماشى فعلها هذا مع أيدلوجيات صناعة الموت التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية مع اختلاف الشعارات والأهداف المعلنة . نريد أن نقول في الختام ان جميع الأيدلوجيات التي تؤمن بأن الأوطان تحتاج  إلى القرابين لكي تعيش وتزدهر قد أخطأت وظلمت أبناءها عندما سلبتهم أرواحهم ولم تهبهم الحياة والأمان والعيش الرغيد.أما التضحيات التي يقدمها الشرفاء في قضايا عادلة لاسترجاع الحق فإنها تستحق الاحترام لأنها تصنع الحياة ولا تدعو للموت من أجل الموت  .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram