عامر القيسي بعض القوى المشاركة في العملية السياسية تتلقف أي تقرير من منظمات عالمية بشأن العراق، بكل المبالغات التي يحتويها التقرير باعتبارها حقائق مسلّما بها، وفي ضوء ذلك تنظم المؤتمرات الصحفية، وتقيم الدنيا ولا تريد أن تقعدها، وتوجه اتهاماتها يمينا
ويسارا وتطالب باجتماع عاجل لمجلس النواب لمناقشة التقرير وتشكيل اللجان الاختصاصية حول المعلومات الواردة في التقرير. هذه القوى نفسها لم نجد لديها الحماسة الكافية لانعقاد مجلس النواب لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة، أو قيام المجلس بواجباته التشريعية والرقابية، وهي نفسها التي"تبشر"بمناسبة ومن دونها بعودة العنف إلى الشارع العراقي إذا لم تحصل على حقوقها غير منقوصة، وهي نفسها التي تطالب باستحقاقات انتخابية ودستورية لها، قافزة على بنود دستورية وعلى استحقاقات الآخرين، وكأنها الوحيدة المخولة بقيادة البلاد والعباد رغم فشلها المريع في تشكيل أي تفاهم أو تحالف حتى الآن مع بقية قوى ومكونات العملية السياسية، وهي وحدها التي فصّلت الديمقراطية العراقية لأجلها ومن أجل"استحقاقاتها"التي تتمسك بها. هذه القوى نفسها لم نجد لديها الحماسة والرغبة في الدفاع عن ضحايا النظام الدكتاتوري الصدامي، بل إنها تشكك بالوثائق الدامغة كلها، من المقابر الجماعية إلى الإعدامات السرية والعلنية إلى جرائم الأنفال إلى التهجير الجماعي وليس أخيرا جريمة حلبجة التي أدانها العالم اجمع بما في ذلك الذين تعاطفوا في فترة ما من نظام صدام مرورا بضحايا الحروب. هذه القوى، للأسف الشديد، تستفيد من الفضاء الديمقراطي الواسع كله الذي انفتح أمام العراقيين بعد التاسع من نيسان 2003، في الوقت التي تتنصل فيه عن الأخطاء كلها التي أنتجتها تجربتنا الجديدة وتحمل الآخرين المسؤولية الكاملة عن إخفاقات واضحة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، رغم مشاركتها في الحكومة وفي اتخاذ القرارات والتصويت عليها في البرلمان وفق الصيغة التوافقية التي اقرها الجميع من دون استثناء!حتى التفجيرات التي يقوم بها تنظيم القاعدة الإرهابي والتي يحصد فيها العشرات من الضحايا، تسارع هذه القوى، دون خجل، بتحميل القوات الأمنية مسؤوليتها، بدل أن تكون الذراع السياسي لهذه القوات وتوجه أنظار المواطنين لإدانة هذه الأعمال الإرهابية ومن يقف وراءها ويشجعها ويمولها ويخلق لها الحواضن التي تنمو فيها، بل والتي تتستر بها أمام القوات الأمنية العراقية!قوى بأسماء وعناوين وعباءات مختلفة الألوان ربما يكون شعارها"أول من يستفيد وآخر من يضحي"وهي ثقافة ليست جديدة علينا، وقد ذقنا مرارتها في عقود التجربة المرّة للاستبداد الصدامي، رغم أن هذه القوى تسوق شعارها مقلوبا باعتبارها أول من تضحي وآخر من تستفيد. هذه اللعبة ليس من السهولة أن تنطلي على الحدس الشعبي العراقي لفترة طويلة، فلطالما تشدقت قوى بالديمقراطية ودافعت عنها بكل قوة في وسائل الإعلام وتحاربها بكل قوة أيضاً في الغرف السرية السوداء، لكنها في النهاية لم تستطع أن تلبس القناع زمنا أطول فأدخلت المفخخات إلى البرلمان وانكشفت في فضيحة سياسية قل مثيلها!
كتابة على الحيطان:أول من يستفيد وآخر من يضحي!
نشر في: 19 سبتمبر, 2010: 07:27 م