إيمان محسن جاسميجب علينا أن نسأل أنفسنا لماذا نحن نعيش أزمة بل أزمات عديدة في بلداننا ؟ ولماذا حين نسافر خارجها نشعر بأننا نعيش في عالم آخر ؟ عالم تتوفر فيه كل مقومات الحياة فلا تنافر ولا احتراب ولا هموم كتلك التي نعيشها؟
دول كثيرة قائمة على التنوع والتعددية القومية والعرقية والدينية , الهند بلد كل الديانات واللغات لكنه يعيش بأمان وتعايش ويعتبر الديمقراطية الأعرق في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية , دستور هذا البلد هو الأكبر من حيث عدد مواده التي استغرقت كتابتها أربعة أعوام من دون أن يستعجل الهنود من أمرهم شيئاً. سويسرا بلد القوميات المتعددة وبلجيكا هي الأخرى تعيش هذا التنوع ، وأمريكا التي تكونت من مهاجرين من دول عدة هي الأخرى تتعايش مكوناتها بأمن وسلام وطمأنينة .نحن نختلف كثيرا وتبرز لدينا نوازع تلغي هويتنا الكبرى سواء أكانت الدينية أم الوطنية،عالمنا العربي يتصارع في داخله ولا يتحاور , يرفض لغة الحوار لأنها ستقضي على تلك النوازع التي ستجرد البعض من مناصبهم التي اختلقوها بفعل هذا التصارع , في لبنان تبرز الطائفية بشكل رسمي ودستوري بحيث حولت هذا البلد الجميل إلى كانتونات مقفلة لهذا وأخرى لذاك وثالثة لهؤلاء , في مصر يتعرض الأقباط لشيء من العمليات المتطرفة على غرار ما تعرض له أتباع الديانة المسيحية في العراق .هذا الغلو والتطرف هو الأزمة الأكبر التي علينا معالجتها واقتلاع أفكارها من جذورها حتى لا نجدها تنمو بعد عقد أو أكثر و لا تخلق لنا أزمات أخرى.هذا التطرف الأعمى هو الذي جعل ثلة من المهووسين بالعداء للحضارة يقودون طائرات تهاجم أمريكا من دون أن يفكروا لحظة واحدة بأنهم سيقتلون أناساً أبرياء لا ذنب لهم ، سيقتلون نفساً حرم الله قتلها.من أين جاء التطرف والغلو إلينا ؟ هل نحن ساهمنا في ولادته، ورعايته، ودعمه ؟وما هي العوامل التي ساعدت على بروزه كتيار أكتسح الساحة العالمية وبرز كممثل للإسلام والمسلمين ؟هنالك أجوبة كثيرة لهذه الأسئلة لكن أهمها بالتأكيد إننا كعالم عربي وإسلامي انغلقنا على أنفسنا عقوداً طويلة ، بعد أن توهمنا إننا تحررنا من الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية وما تلاها من موجات الثورات التي أطاحت بمن أطاحت وجاءت بمن جاءت .أنظمتنا السياسية قائمة على الثورية والقرارات الفردية ومصادرة الرأي الآخر وقمعه بالقوة ، هذه هي طبيعة الأنظمة السياسية في بلداننا كافة ، وتمكنت هذه الأنظمة بحكم تراكم سنوات حكمها الطويلة من أن تبني مجتمعاً وفق فلسفتها ورؤيتها بآليات غير مسبوقة ولهذا نجد بأننا الأمة الوحيدة في العالم التي أعادت كتابة تأريخها عدة مرات نزولاً عند نزوات السلطات الحاكمة , وكتابة التاريخ في المفهوم العربي يعني إعادة النظر بكل ما يتعارض مع السلطة القائمة .وضخت مواد التاريخ لأجيال عديدة تشبعت بمفهوم المعارك وقادتها وخرائطها وأساطيلها وجيوشها حتى نشأت لدينا أجيال متتالية لا تعرف من التاريخ العربي والإسلامي الا بجدود ساحات المعارك التاريخية وقادتها , وتناسى التاريخ علماءً أفذاذاً كان لهم دور كبير في الطب والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم والمعارف .وبالتزامن مع هذا عمدت تلك النظم السياسية للاستحواذ على الدين بما يؤمن لها تنشئة المجتمع وفق إرادتها أو على أقل تقدير إبعاد المؤسسة الدينية عن أداء واجباتها في المجتمع , هذا الإبعاد مهد الطريق كثيراً لبروز تيارات دينية جديدة استمدت مفاهيمها وفلسفتها من مفاهيم وفلسفة السلطة، وبالتالي لم نجد أي تعارض وتقاطع بين رجال الدين الرسميين إن صح التعبير وبين فكر ونهج السلطة السياسية .وبالتالي وجدنا ثمة تيارات دينية متطرفة ترفض قبول الآخر والحوار مع الآخر متبعة ذات النهج الذي تتبعه الدولة العربية في تصديها لمن لا يتوافقون مع آرائها وعملية التصدي هذه تكون عبر العنف وليس المناظرات والحوارات كما هو متعارف عليه .لذا وجدنا عالمنا العربي شبه خال من المعارضة إلا من كانت تدور في فلك السلطة لتزين صورته أمام الآخرين وتحفظ له ديمومته .وبالمقابل وجدنا في دول الغرب العكس تماما هنالك معارضة شرعية دستورية ، واحترام للرأي والرأي الآخر ، ورجال الدين يؤدون واجباتهم الاجتماعية بالشكل السليم والصحيح بما ينظم حياة المجتمع بعيداً عن أية تشوهات قد تصيبه. غياب رجل الدين المعتدل عن المجتمع العربي والإسلامي كانت عواقبه الاجتماعية كبيرة جداً من خلال بروز رجال دين متطرفين صنعتهم منظومة الدولة وهيأت لهم سبل البروز ليكونوا وعاظاً لها في أزماتها المتكررة بين الحين والآخر .لذا نجد أن بناء المجتمع العربي تم من خلال منظومة فكرية أحادية غايتها الأساسية بناء مجتمع متطرف ينهار بانهيار هيكل الدولة ويتفتت إلى أجزاء متناحرة متى ما تفتت الدولة ويتحول هذا المجتمع إلى عبء على نفسه أولاً وأخيراً، لأن عملية البناء هذه كانت بعيدة عن أفكار الاعتدال والتسامح والوسطية بل قائمة على الغلو والتطرف في أقصى درجاته .لذا عندما حدثت عمليات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية اكتشف الأمريكان بأن رد
نحن والحوار مع الآخر
نشر في: 22 سبتمبر, 2010: 04:49 م