علي حسين درس الرصافي اشعار ابي العلاء المعري وحفظها واطلع على معظم ما كتب عنها وكل ذلك في اعجاب شديد وحب صادق، وكان الرصافي يعرف ان المعري ينفر من المديح..فاسرف في مديحه، وذهب ابعد من ذلك فاختار ان يسمي كتبه بالرسائل
" الرسالة العراقية " " الرسائل والتعليقات "حتى ان كتابه الشخصية المحمدية ذيله بعنوان فرعي " رسالة في حل اللغز المقدس "، تيمنا برسالة المعري "الغفران " كان ابو العلاء ملهم الرصافي في فلسفة الوجود والحياة حيث سلك مسلكه في انتقاد الساسة والاديان والمذاهب، وقال الرصافي في الاديان ماهو اكثر جراة من شاعره المفضل، وعندما اصدر طه حسين كتابه " مع ابي العلاء في سجنه " كتب الرصافي "على باب سجن ابي العلاء"وفيه يرد على طه حسين الذي كان يرى في اعاقة المعري سببا لكثرة شكه ونقدة للمجتمع، ويرى الرصافي المعري واعياً متماسكاً مدركاً لنفسه ولتجربته، ولم يكن وليد الإعاقة، ويذهب اعجاب الرصافي بالمعري ان يسميه "شاعر البشر ": طاول الأرض والسما شارف الشمس والقمر لاتقل شاعر العــــــــرب انه شـــــاعر البشــــــــــــــــر فالشاعر الضرير يطاول عنان السماء ويشارف بكلتا يديه الشمس والقمر، فيخترق الواقع والخيال، المعري عند الرصافي هو الاستاذ الذي لااحد قبله ولااحد بعده، هو صاحب الشعر الحق وهو كعهده ابدا "قادم ذاهب، حاضر غائب، مقيم مفارق".الإعجاب بالمعري دفع علامة العراق طه الراوي لان يفرد له كتابا اسماه " ابو العلاء المعري في بغداد " قال فيه: "ثلاث علامات من اجتمعن له كان من عظماء الرجال، وكان له الحق في الخلود فرط الاعجاب من محبيه ومريديه،وفرط الحقد من حاسديه، وجو من الاسرار يحيط به كانه من الخوارق، وهذه العلامات الثلاث مجتمعات لابي العلاء على نحو نادر "وهذا الوصف ليس ببعيد عن قصيدة الجواهري " قف بالمعرة". يقول الجواهري في (ذكرياتي): "كانت القصيدة قد تبوأت تاج قصائدي وملكت شغاف قلبي وضفاف مشاعري, وأصبحت المولود الذي انتظرته بفارغ الشوق والصبر واللهفة ومن حسن حظي ان استطعت أن أنهي القصيدة قبل الافتتاح بيوم واحد – مهرجان المعري بدمشق عام 1944-, ولم يكن لدي متسع لكي أغامر بما يزيد عليها أو ينقص عنها, كما هو شأني في كثير من قصائد غيرها ".ويضيف: "كان عبثا أن تنجح محاولاتي في الساعة نفسها واليوم نفسه الذي تلقيت فيه هذا النبأ المفاجئ, نبا المشاركة في ذكرى المعري فسهرت ليلتي الأولى حتى الصباح وألحقتها بأخرى وفي الليلة الثالثة كانت حصيلتي من هذه النهارات والليالي الثلاث, قصيدة لا تقل عن السبعين بيتا. يخبرنا بانه صرخ: وجدتها!! عندما كتب مطلع القصيدة:قِفْ بِالْمَعَرَّةِ وَامْسَحْ خَدَّهَا التَّرِبَا … وَاسْتَوْحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنْيَا بِمَا وَهَبَا كدت أوقظ النيام وأنا أعيده بما يشبه الصراخ, هذا هو أبوالعلاء المعري وجدته!!غير أن ما وجده الجواهري ليس أبا العلاء المعري وإنما الجواهري نفسه،الجواهري الذي كان يتلمس افكار المعري ليجد من خلالها ذاته القلقة الصاخبة التي هي شبيهة بذات المعري الضاجة، المنفرة، الباحثة في كل شيء، وعن اي شيء.نَعَوا عَلَيْكَ وَأَنْتَ النُّورُ، فَلْسَفَةً سَوْدَاءَ لا لَذَّةً تَبْغِي وَلا طَرَبَـا وَحَمَّلُوكَ وَأَنْتَ النَّارُ لاهبة وِزْرَ الذِي لا يُحِسُّ الحُبَّ مُلْتَهِبَا مات الرصافي وجاء في وصيته "أدفن في أي مقبرة كانت، على أن يكون قبري في طرف منها، وان يكون في أرض مظلومة، وهي التي لم تحفر قبلاً". فمثلما عاش وحيداً لا يريد الاجتماع مع احد في قبر واحد. ولربما لابيات المعري فعلها في هذا الطلب، قال الأخير:ربَّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً ضاحك من تزاحم الأضدادودفيـن علــــى بقـايـــــــــــا دفينٍ فـي طوال الأزم
العمود الثامن :وصرخ الجواهري: وجدتها!
نشر في: 26 سبتمبر, 2010: 05:59 م