وديع غزوانأثارني كثيراً صباح أمس خبر يشير الى انتشار فايروس جديد ومعدل لحواسيب المنشآت الصناعية الايرلندية وربما بعض حواسيب منشآتها النووية، وبغض النظر عن دقة المعلومات الواردة في الخبر ودوافعها، التي تدخل في إطار خلاف إيران
مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي، فان هنالك أكثر من سبب يجعلنا نراجع أنفسنا كثيراً لنتوقف عند مستوى ما وصل اليه العالم من تطور في مجال المعلوماتية، وتوظيفها في عديد من المجالات، وتطور أساليب الصراع والحروب باستخدام مثل تلك التقنيات المتقدمة في تحجيم الخصم، بدلاً من الأسلحة التقليدية التي جرت الويلات على شعوب الأرض.الحقيقة التي نتداولها جميعاً بشيء من السطحية واللامبالاة ونحن نطالع ونسمع يومياً، هي تلك القفزات التي حدثت في مستوى الدول، أنظمة سياسية ومجتمعاً واقتصاداً وعلوماً وغيرها، في حين اننا ما زلنا نراوح في مكاننا، بل عدنا القهقرى من دون ان يجرؤ احدنا على التساؤل عن السبب الحقيقي الذي جعلنا متخلفين عن ركب هذه الدول او حتى الاقتراب منها، لم تكن ظروف هذه الدول الأوروبية او أميركا، بأفضل منا فهي أيضاً عانت ظروفاً صعبة وحروباً أهلية وصراعاً دامياً على السلطة سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية، غير ان ما ميزها لاحقاً وجعلها تصل الى هذا المستوى من التقدم، هو انها استفادت من تجاربها ونظرت الى تاريخها بوعي لتجعل منه منطلقاً صحيحاً للمستقبل، فأقرت ما هو ايجابي منه، ونبذت وتخلت عما هو سلبي وسيئ خاصة في مجال العلاقة بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وترجيح كفة الحوار بين طبقات المجتمع واحترام الآخر وترسيخ قيم للتعايش بين أبنائها والتخلي عن منطق القوة والتهديد، وباختصار اختارت لغة العقل ليكون البوصلة لولوج المستقبل والتعامل مع متغيراته بوضوح وعلمية، بعيداً عن العاطفة التي قد تصلح في مكان آخر، ليس له علاقة ببناء الدولة ومؤسساتها، وهكذا تعود المواطن هناك على ان يترجم الوفاء للوطن بفعل يجسد من خلاله هذا الحب.. صحيح ان هنالك استثناءات وممارسات مخالفة لهذا النهج لكن الغالب المتفق عليه هو ان تلك المجتمعات أوجدت عوامل تتيح للفرد أرضية صحيحة ليمارس دوره بحرية من دون وصاية او خوف فأبدع في الفن والعلوم مثلما تفوق على غيره في السياسة، يوازي ذلك ويقابله صلاحيات واضحة للسلطات الثلاث وأكثر منها للإعلام كونه سلطة رابعة.لا نريد ان نسترسل كثيراً غير ان ما يؤسف له اننا ما زلنا قاصرين عن رؤية حقيقة أنفسنا فنتباهى ونتفاخر بتاريخنا التليد لكننا ندير ظهورنا له عندما يتقاطع ومصالحنا، نتغنى بما حققه الآباء والأجداد ونردد مع أنفسنا (ليس الفتى من قال كان أبي.. ان الفتى من قال ها أنذا) لكننا نرضى ان نبقى عاجزين وتابعين، نتأسى على حاضرنا لكننا سلبيون في ما يتعلق بإصلاحه.لا استثني من ذلك أحداً فاغلبنا ينطبق عليه ذلك إلا من رحم ربي، السياسي والمثقف، المتعلم والأمي، المتدين والماجن، فكلنا نتحدث عن العدل والنظام والمساواة والديمقراطية، لكننا أول من يتجاوزها إذا تقاطعت مع مصالحنا.. والأمثال على ذلك كثيرة بدءاً من تجاوز طابور الوقوف في محطات الوقود وانتهاءً بمحادثات الكتل السياسية مروراً ببحثنا عن صديق هنا او هناك لتمرير معاملة او توسط في تعيين.. كلنا ننادي بالقانون والتمسك به، ولكن كم واحد منا يلتزم به، قد نحتاج الى بعض القسوة مع أنفسنا لتجاوز ممارسات واعمال قد تبدو بسيطة لكنها أبعدتنا كثيراً عن تلمس طريق التقدم الصحيح ام نسينا ان مشوار الألف خطوة يبدأ بخطوة.
كردستانيات :نحن والآخرون
نشر في: 27 سبتمبر, 2010: 07:25 م