علي حسين نعتاد بعض الوجوه ونالفها لتصبح جزءاً من حياتنا اليومية، وفي زمن الخيبات الحياتية والسياسية تصبح هذه الوجوه امتداداً للبيت او الشارع وحتى مكان العمل، ومع مرور الزمن تصبح هي داخلك، حنينك، وهي جزء من احلام الحياة.
تعلق طالب السوداني ببغداد وسكر بسحرها وخمرها، وصارت امه التي تمنحه الشعر والعطايا، تلفظه حاناتها في اواخر الليل وجيوبه مليئة بالاوراق والشعر.. والاهم القصص العجيبة ومزيدا من الطرائف، كل من عرفه يقول انه شق طريقه وسار فيه وان لا أحد يستطيع ان يثنيه عن السير فيه،لا الشتيمة ولا اغراء المال ولا الوظيفة ولا الشهرة ولا المجد، كل هذا لا يعني شيئا ذا قيمة بالنسبة إليه وهو الذي يريد ان يحيا منسجما مع نفسه،، يرتفع ويسقط، يترنح تارة، وتارة يسير.. " واثق الخطوة، فصعلوك بغداد اعتاد ان يخرج في اواخر الليل يترنح يمينا فيسنده جدار ويترنح شمالا فلا يسنده شيء.. يتعثر فيكبو فينهض ثم يتعثر وهو يردد ابيات اليوناني كفافي:لن تجد وطنا جديدا، لن تجد شاطئا آخر هذه المدينة سوف تلاحقك أبدا. سوف تمشي الشوارع نفسها، وتشيخ في الحارات نفسها، وتشيب في هذه البيوت نفسها،. سوف تنتهي دائما إلى هذه المدينة. لا تأمل بأشياء في أي مكان آخر لا سفينة لك ولا طريق مر طالب السوداني برحلته الحياتية القصيرة بوجوه عدة احبها ووجوه عدة تعمد ان يشاكسها، مرة سألته لماذا تشاكس الاخرين بهذه القسوة؟ قال: "لانهم غارقون في الرتابة، غارقون في التقليد، ينظمون القصائد ولاياتون بالشعر، يصفون الكلمات ولاينقلون المشاعر " وفي لحظة صحو نادرة همس لي: اريد ان يدخل الشعر نفسي فيبعث فيها القلق او الدهشة اوالوحشة او الحزن او الشك او النشوة، اريد ان يكون جزءاً مني، واحدا من اولادي.. واتمنى ان يكون ولدا عاقا ".يكتب الشاعر السريالي بيير ريفيردي:"ولد فيتوفى...ليس هناك من احداثليس هناك من تواريخ لاشيء وهذا امر رائع ""لا شيء" الكلمة التي لازمت طالب السوداني طوال حياته مثل الموت الذي كان في مواجهته دائما مهما حاول الافلات منه، كان يتسلل اليه من شوارع المدينة بقناع مخبر سري، اوشظية مجهولة النسب، لتفسد مناخ الحياة، وتحوله الى قصيدة مسربلة بالفجيعة ولكنها غير صالحة للنشر مثل ديوانه اليتيم " طز " الذي لم يتجرا ناشر على الاقتراب منه واتذكر انني حاولت في منتصف التسعينيات ان اساعده في طبعه لكن لافائدة، فقرر طالب وقتها ان يستنسخه ويوزعه على الاصدقاء المقربين جدا. سألني الغراب – أنت.. متى تصبح إلهاً؟ضحكتوبكيت.. حين أعرب عن ذلك بحنجرة أنيقة- أنا... مثل نهاية الأسبوعانتهيوأنا أسيراليوم في شوارع بغداد المح ظل طالب السوداني يسير امامي، المح ظهر رجل يسير، يحمل حقيبة تتدلى من كتفه الايمن، فيما قدماه تدقان على الرصيف إيقاعاً متناسقاً مع همسات صوته. شعرت بالحنان الذي احمله لهذا الصديق الذي امتلات حياته بالمسرات والأفراح الحزينة وببراءة الحياة التي كان يحياها وبمدى تلقائية الكلمات التي كانت تخرج منه، مرددا كلمات سولجنستين " يا أخوتي ارجوكم لاتموتوا، ابقوا فوق هذه الارض، لان موتانا كثيرون ".
العمود الثامن :طـــــــــــز !!
نشر في: 4 أكتوبر, 2010: 06:33 م