علي حسينرجل هادئ ذو عينين حالمتين وعقل مليء بالرؤى ووجه يحمل معه الشرود أينما حل .. لا يتحدث واذا تحدث فان حديثه أشبه بسباق السلحفاة . يؤمن بان الكلمات لا تصنع مسرحاً.. ثابت النظرات قضى حياته وهو يتأرجح في حلقات من الخيال والدهشة ..
يرى العالم من خلال صور تستفزه فيحولها المشاهد فيها الى مسرحية شخصية امتزجت فيها تراجيديا شكسبير بإنسانية تشيخوف التي غلفها مهنيات ارتو.. تستفزه الصور أكثر من الكلمات ..المسرح بالنسبة إليه مساحة لكشف الحقيقة ففي مسرحياته يتشابك الضوء مع الصمت .. يفهم المسرح على انه يتصور لمشاعر الإنسان ويترجمه لفترات العناء والدهشة .. رجل مهووس بالصور التي تنساب من بين أصابعه حرة عفوية ..قبل زمن امتد لأكثر من ثلاثين عاما انتظرت صلاح القصب أمام بناية أكاديمية الفنون الجميلة .. كنت أريد ان القي عليه سؤالا كان يشغلني .. من هو صلاح القصب ؟. إلا ان شكله الساخر والجاد في الوقت نفسه وملامحه التي تشع حدة اقرب الى الجنون أحياناً جعلتني استبدل سؤالي بكلمات مرتبكة قلت له " "أريد ان اجري حواراً معك "كانت هذه الجملة بداية لصداقة امتدت من ذلك الوقت بالمحبة والتوهج نفسيهما استطعت من خلالها ان أسجل الكثير من الملاحظات عن عمل صلاح القصب المسرحي وان اجري معه اكثر من حوار لكن السؤال الذي كان يشغلني لم اطرحه عليه الا بعد سنوات عدة حين فاجأته وهو منهمك بتحضير لمسرحية مكبث لأقول له ..من هو صلاح القصب ..؟ضحك وهو يقول كل هذه السنين من الصداقة وتسألني من هو صلاح القصب؟! -ولكن السؤال لا يزال قائما *ا نا رجل أحيا أحلام شخص مجنون اسمه صلاح القصب وهذه الأحلام هي علامة البداية لما أريد ان اقوله على المسرح .. فهي ترسم لي الطريق التي أسير عليها .. صلاح القصب كائن لا طعم له ولا رائحة ولا لون بدون خشبة المسرح.، الخشبة هي المكان الوحيد الذي أطلق من فوقه صرخة الألم وصيحات الغضب لأجسد من خلاله قسوة العالم .. وعلى هذه الخشبة أسعى لإطلاق صوتي كي أحرض الناس على التوهج وبلاغ الحقيقة .. - ماذا تريد من المسرح ؟.* لا أريد شيئاً من المسرح ولكنني بتعبير ادق اريد مسرحاً مختلفاً .. مسرحا بلا غايات آنية فإذا تحول المسرح الى منبر دعاية فقد وظيفته الحقيقية .. المسرح بالنسبة لي مدعاة للألم والفرح وأنا أعيش من خلاله صراعاً دائماً مع العالم الذي تستدعيه مخيلتي .. اريد مسرحا يمتلك صمتا موحياً ومشحونا بالمعاني والكلمات .. مسرحاً حيوياً يستطيع المتفرج ان يسمع منه همهمة الأرض نفسها؟! مسرحا يقدم التفاصيل الصغيرة التي تمنحنا الأفكار أكثر مما تمنحنا المتعة، مسرحاً يقدم لنا الجمال والقبح ورائحة العالم والأحلام والأفكار.هذا اذن هو صلاح القصب المخرج الوحيد في مسرحنا العربي الذي نستطيع ان نضع وصفا محدودا واضح المعالم لمنهجه ومنظومته الفكرية ولنوع القضايا التي لامسها طوال عمر إبداعه فنياً وفكرياً، وهاملت والملك لير فالعاصفة فمكبث فطائر النورس والخال فانيا وحفلة الماس.. نحن أمام مخرج همه واهتمامه قضايا الناس ايا كانت درجة اتفاقنا واختلافنا مع المنهج والزاوية التي يقترب بها من هموم الناس . ولم يكن عجيبا ان يطرح صلاح القصب في معظم أعماله فكرتين حاكمتين لإبداعه .. الأولى هي الآلية التي تربط المشاهد والقائمة على فكرة الخيال الذي يخترق المألوف وهو حين يحققه يستحيل حالة من حالات الاشتراك في الخلق والتركيب.. والثانية هي فكرة الصراع التي تأخذ أشكالاً رمزية ليست لها ترجمات مادية مباشرة وهي التي يعبر عنها صلاح القصب بمجمل أعماله . هل استطعت ان اقدم صورة واضحة لصديقي صلاح القصب؟ .. ربما من الصعب على اسطر قليلة كهذه ان أقدم من خلالها صورة لمخرج يعد واحدا من ابرز وانضج مخرجي المسرح في الوطن العربي .. لكنها ذكريات خطرت ببالي حين طلب مني زميلي علاء المفرجي ان أشارك في هذه الصفحة التي خصصت لصلاح أملاً أن تكون هذه السطور جزءاً من وفاء وحب لرجل عشق المسرح وما زال يامل أن يجد على خشبة المسرح فسحة لأحلامه المؤجلة .. هذا ما يتمناه هو وما نريده نحن عشاق ومريدو صلاح القصب من ان نسمع صوته مدويا على خشبة المسرح بكلمات ريتشارد الثالث:ماذا أترتجفون؟ أمرتعبون أنتم؟وأسفي، لا ألومكم، إنكم بشر..!
صورة صلاح القصب
نشر في: 4 أكتوبر, 2010: 06:37 م