لندن- فيصل عبد الله"في الكتابة عن أفلام هذا العام وقراءتها، وجدت نفسي مشدودة لفكرة واحدة، كلمة واحدة: ان هذه الأفلام مُلهمة. مُلهمة بسبب المواضيع التي تقاربها، مُلهمة لانها مصنوعة ببراعة أو تستحق المشاهدة، مُلهمة لانها تغامر، مُلهمة لانها تثير الأسئلة، مُلهمة لانها غاضبة او تؤكد الحياة. لانها تجعلنا نحب ونقدر فن ومهنة السينما، وهل ثمة أجمل من ذلك؟".
لم تتصنع ساندرا هيبرون، المديرة الفنية لمهرجان لندن السينمائي، تلك الكلمات السالفة وهي تقدم فقرات برنامج الدورة الرابعة والخمسين لهذه التظاهرة السينمائية العريقة (13 ولغاية 28 من الشهرالجاري). بل استحضرت أهم الخطوط الفنية العامة لسلسلة عروض هذه السنة، ولمقاربات سينمائية لا تتوقف عند "ثيمة" واحدة عنوانها التنوع. تنوع يجعل من السينما تطأ مناطق وعرة، وترتاد فضاءات واسعة يختلط فيها الواقعي بالمتخيل. فالسينما حسب كلمات آماندا نيفيل، مديرة معهد الفيلم البريطاني، هي "الأوكسجين الذي تتنفس وتتغذى منه الثقافة بشكلها العام". لذا دعت الى "التنفس بعمق لعلك تغير حياتك".لكن ما لم تذكره هيبرون، وتجنبت الخوض في تفاصيله وحيثياته، هو قرار حكومة المحافظين القاسي بإلغاء عمل "مجلس الفيلم البريطاني"، ومدى تأثيره على صناعة السينما في بريطانيا. تلك الصناعة التي شهدت تطوراً ونمواً على مدى السنوات العشر الماضية، وكان من ثمارها دعومات مالية وتقنية لتطوير كتابة السيناريو والإنتاج وورش تدريبية لاستعمال الكاميرات الرقمية والأفلام القصيرة والتربوبة والأرشفة وعملية التوزيع. إذ بلغ عدد المشاريع المستفيدة من تلك المساعدات عشرات الأشرطة السينمائية من مختلف الأجناس. صحيح ان الأزمة المالية التي تعيشها هذه الجزيرة، حالها حال بقية دول أوربا الغربية، وعملية التقشف وشد الأحزمة على البطون، قد أصابت مفاصل الحياة الإجتماعية والاقتصادية والثقافية. إلا ان "مجلس الفيلم البريطاني"، تأسس في العام 2000، كان أول ضحايا سياسة حزب المحافظين الجديدة في إعادة هيكلة الاقتصاد، ما يعني إيقاف الدعم الحكومي الذي يصل الى 15 مليون جنيه إسترليني سنوياً، فضلاً عن 26 مليون جنيه إسترليني أخرى ممنوحة من عوائد اليانصيب.rnالافتتاح والختامما شهدته السنوات القليلة الماضية من شحة إيجاد شريط سينمائي بريطاني مناسب يقع عليه خيار افتتاح مهرجان لندن السينمائي او يكون خاتمته تحقق هذا العام. ولو أضفنا إليهما دزينة أشرطة ضمتها فقرة "السينما البريطانية الجديدة"، تكون السينما البريطانية قد حققت حضورها القوي في هذه الإحتفالية. وعليه سيكون الإفتتاح من نصيب شريط "لا تدعني أذهب أبداً" لمارك رومانيك، وبطولة النجمة الصاعدة كيرا نايتلي (قراصنة الكاريبي)، والمقتبس عن رواية الياباني الأصل والبريطاني الجنسية كازو أيشيغورو تحمل الإسم نفسه. إذ ما ان إستعارت السينما عمل أيشيغورو "بقايا اليوم" (بوكر باريز 1989)، حتى فتحت الشهية لاقتباسات جديدة، ومنها عمله الأخير الذي حقق مبيعات هائلة وثناء نقدياً كبيراً. وعبره نتابع ما بقي عالقاً في ذهن شابة من أيام الدراسة الإبتدائية، وشكل الأنظمة التعليمية الصارمة المعمول بها، وحالة العزل عن المحيط الخارجي لتلك المدرسة بحجة ان طلابها هم من "الخاصة". ومثله عمل داني بويل الجديد "127 ساعة" خاتمة هذه التظاهرة السينمائية وبكثير من التوقع، إذ يدعونا صاحب "المليونير المشرد"، الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم 2009، الى تتبع قصة حقيقية احتلت العنوان الرئيس للصفحات الأولى وحبست الأنفاس. ومن خلالها نتابع ما تعرض له آرون رالستون متسلق الجبال الأمريكي بفعل سقوط صخرة عليه تبقيه عالقاً بين الحياة والموت.فيما يعود البريطاني مايك لي "أسرار وأكاذيب"(1996) في جديده "عام آخر" الى موضوعه الأثير والمتمثل بالعائلة ومعنى الصداقة والعمر. قسم "لي" شريطه الى أربعة فصول وغايته رصد التغييرات الحاصلة لعائلة مكونة من زوجين ولهم أبن يعمل محامياً وتتحلق حولهما شلة من أصدقاء العمر، إلا ان قناعة القبول بتقدم العمر والقبول باحكامه تثير ما لا يتوقعانه من المحيطين بهما، في حين يقارب الأمريكي دارين آرونوفسكي عالم الباليه وأسراره في "البجعة السوداء" ومن بطولة النجمة البريطانية ناتالي بورتمان (تسعة). وليخلص الى ان عالم الباليه لا يختلف عن عالم المصارعة بقسوة تمارينه وخسائره الجسمانية ورضوضه النفسية.إلا ان لقى هذه الإحتفالية كثيرة، 197 شريطاً سينمائياً طويلاً و 112 شريطاً قصيراً، من بينها 33 شريطاً في عرضها الأوربي الأول و113 في عرضها البريطاني الأول وهناك 23 شريطاً تعرض لأول مرة عالمياً. وبالتالي سيكون الجمهور البريطاني على موعد مع عدد من إشتغالات سينمائية خارجة عن سياقات الكليشيهات الأمريكية. ومنها شريط التايلاندي أبيشابتونغ ويراسيتاكول "العم بونمي الذي يستطيع إستحضار حيواته السابقة"، والفائز بسعفة كان الأخير. ومثله رائعة المكسيكي اليخاندرو غونزاليس "جميل". وشريط المعلم الفرنسي جاك لوك غودار في "فيل
دورة مهرجان لندن السينمائي الرابعة والخمسين تــحفـل بـالمفاجآت
نشر في: 6 أكتوبر, 2010: 05:17 م