علي نافع حموديعند مقارنتنا المجتمع العراقي قبل التغيير في نيسان 2003 وما بعده نجد إن هذا المجتمع وعلى مدى نصف قرن تحكمت فيه قوى شمولية ولم تعطه فرصة للنمو والتطور بل قيدته في قوالب أنتجتها وفق أفكارها وأيدلوجيتها، وتعرض هذه المجتمع خلال الفترة الماضية إلى المحاصرة وسياسات الاحتواء والإخضاع من قبل أنظمة الحكم المتوالية، بقطع النظر عن اتجاهاتها السياسية وأطروحاتها الأيديولوجية المتباينة.
وبدل أن يكون المجتمع المدني شريكا في التنمية وصناعة القرار، تحول في إطار النظام السائد إلى خادم للدولة، وداعم للاستبداد، ومنتج للكوادر التي يتعامل معها و تلجأ إليها الحكومات والأحزاب الحاكمة عند الضرورات أو لاستكمال عناصر الديكور.و إن الحديث عن دور المجتمع المدني في الدفاع عن الديمقراطية وترسيخها، ظاهرة حديثة في سياق تطور النظام السياسي في العراق من الشمولية إلى التعددية ومن التبعية إلى المشاركة . وتنظر الأنظمة الشمولية لمجتمعاتها المدنية نظرة ضيقة ومحدودة. فمن وجهة نظر هذه الأنظمة، لا يتجاوز دور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية مهمة مساعدة الدولة على تنفيذ سياساتها، وفق الحدود والشروط التي تضعها الحكومات والهيئات الرسمية. فالمجتمع المدني، من وجهة نظر معظم النظم ذات الحزب الواحد، لا يتمتع بصلاحيات حقيقية أو سلطات فعلية، وإنما حركته محدودة بسقف لا يحق له أن يتجاوزه. فهو كيان تابع، لا يحق له التدخل بشكل فاعل في وضع السياسات العامة، ودوره ثانوي وتكميلي لدور المؤسسات الحكومية التي يجب أن تبقى بيدها المبادرة والإشراف والتخطيط وتوزيع المهام. ومن هذه الزاوية وجد المجتمع المدني العراقي نفسه في حالة نزاع وصراع مع الحكومات حول مفهوم " المجتمع المدني " ودوره وصلاحياته وعلاقته بمؤسسات الدولة وأجهزة الحكم ، إلى جانب تحديد الآليات القانونية التي يجب أن تتوفر كشرط ضروري للبقاء والتأثير. وبما أن معظم أنظمة الحكم في العالم العربي ومنها العراق في حقبة البعث المباد، تأسست وفق ثقافة سياسية تؤله الحاكم والزعيم وتعطي الأولوية للدولة على حساب المجتمع، فقد ترتب عن ذلك نزوع مستمر من قبل السلطة نحو احتواء المجتمع بل وابتلاعه. وتجسد ذلك في واقع قانوني وسياسي ساهم بشكل رئيسي في تعطيل وتأخير ولادة مجتمعات مدنية ناضجة وفاعلة، وتسبب أيضا في إصابة معظمها بعاهات شوهت عملية تأسيسها، وأثر سلبا على نسق نموها وعطل الكثير من طاقاتها. ومن هذه الزاوية، كان من الطبيعي أن يقترن مسار استكمال تشكل منظمات المجتمع المدني بمدى تقدم مسارات التحول الديمقراطي. وهو ما جعل الاستقلالية وحرية تشكل الجمعيات والدعوة إلى مراجعة القوانين المقيدة لنشاطها تحتل أولوية قصوى في برامج واهتمامات النشطاء والفاعلين الاجتماعيين والديمقراطيين في العراق ما بعد سقوط النظام المباد. وهذه المتغيرات منحت منظمات المجتمع المدني فرصة الانتقال إلى أن تكون شريكا قويا وفاعلا في عملية الإصلاح الديمقراطي، رغم ضعف إمكاناتها. وهو دور لم تتهيأ له هذه المنظمات، لكنها أصبحت مضطرة للقيام به الآن وخلال السنوات القليلة القادمة خاصة ان قانون منظمات المجتمع المدني تأخر تشريعه كثيرا رغم أهميته، حيث صدر هذا القانون في آخر جلسة للبرلمان العراقي المنتهية ولايته. وما يمكن أن نتأمله من منظمات المجتمع العراقي في المرحلة القادمة تفعيل دورها كشريك في عملية التحول الديمقراطي في العراق .هذا التحول الذي لن يتحقق بدون مجتمع مدني فعال قادر على تأسيس شراكة مع الحكومة أي أن يكون شريكا وليس تابعا كما كان سائدا في السنوات الماضية، لأن مبدأ الشراكة هو مفتاح التطور المجتمعي لا سيما أن منظمات المجتمع المدني قادرة على تجاوز أخطاء الماضي بعد أن كسبت خبرة ميدانية كبيرة تؤهلها لأن تلعب دورا مهما في العراق الجديد.
المجتمع المدني والانتقال الديمقراطي
نشر في: 15 أكتوبر, 2010: 06:29 م