إياد مهدي عباسمنذ فجر التاريخ كان العراق بموقعه الجغرافي ملتقى الكثير من الحضارات العالمية عبر عصور التاريخ المتعددة، حيث شكل نقطة التقاء بين الشرق والغرب ما جعل منه مركز إشعاع حضاري كبير.كان العراق وما يزال اللاعب الأبرز والاهم في المنطقة وذلك بما امتاز به من موقع جغرافي فريد بين بلدان العالم والمنطقة
حيث يعتبر القلب النابض للعالم القديم المتمثل في قاراته الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا فهو حلقة الربط بين هذه القارات كما انه تبوأ مركزاً مهماً بين دول العالم الإسلامي حيث كان مركزاً للخلافة الإسلامية لقرون من الزمن وبالإضافة إلى موقعة الجغرافي وأهميته الدينية فقد أكرمه الله بأرض خصبة ومياه وفيرة وانهار جارية وثروات هائلة من النفط والكبريت والفوسفات وغيرها من المعادن المهمة التي تعتبر عصب الحياة الصناعية . و قد سكن العراق شعب تنوعت أعراقة وقومياته وأديانه ومذاهبه فترى فيه العربي والكردي والتركماني والآشوري وفيه المسلم والمسيحي والصابئي والايزيدي وغيرهم، وهذا التنوع الديمغرافي كان بالإمكان أن يكون عامل قوة لا عامل ضعف حيث نرى فيه أناسا تختلف قومياتهم وأديانهم وأجناسهم يعيشون في حالة موحدة دون إن تكون هنالك مشاكل تعكر صفو حياتهم وعيشهم . وكان بإمكان العراق أن يكون صاحب أقدم واكبر تجربة ديمقراطية في المنطقة وفق ما يمتلكه من مقومات تساعد إلى حد كبير في إنجاح العمل الديمقراطي فيه لولا تسلط الأنظمة الجائرة والمستبدة على حكمة لعقود طويلة من الزمن نتج عنها غياب كامل لمفهوم التعددية والديمقراطية لدى أبناء شعبة .ونستطيع القول إن جميع التجارب الديمقراطية التي مرت بها الشعوب المتحضرة في العالم نتج عنها واقع سياسي واجتماعي على درجة عالية من الرقي والتكامل تمخض عن هذا الواقع ثورة شاملة استوعبت جميع مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى تحولت تجارب هذه الشعوب إلى أنموذج يحتذى به وطموح للشعوب التي رزحت وما زالت ترزح تحت الأنظمة الديكتاتورية الشمولية. وما نشاهده اليوم في هذه الدول التي تبنت المفاهيم والأسس الديمقراطية والتي ترجمتها إلى خطوات عمل حقيقية نتج عنها تطور هائل في المجالات الصناعية والزراعية والتجارية والعمرانية والإنسانية، حيث تحولت هذه الدول إلى مؤسسات إغاثة تقدم إلى الشعوب التي تعيش تحت الحكم الديكتاتوري الغذاء والكساء والدواء وغيرها من الاحتياجات الأخرى حتى أصبحت هذه الشعوب المحرومة تتمنى العيش في هذه الدول المتقدمة بسبب ما تشاهده من أنظمة ديمقراطية تجعل من الإنسان قيمة عليا وإسعاده غاية كبيرة، لذا أصبحت هذه أمنية ملحة لدى الشعوب المظلومة للبحث عن أسباب العيش الكريم ضمن إطار سياسي واجتماعي يقدس حرية الإنسان وكرامته وبنفس الوقت الهروب من واقع ديكتاتوري أليم، لذا تمخض عن هذه المقارنة البحث عن الذات الإنسانية من خلال حدوث هجره كبيره البعض منها شرعي وقانوني والبعض الآخر غير شرعي. كل ذلك من اجل الوصول إلى هذه الدول التي تحولت بفضل الأنظمة الديمقراطية إلى عامل جذب يستحق المجازفة، وللأسف فإن اغلب المهاجرين هم من الدول العربية التي تحول البعض من دولهم إلى عامل طرد !! بسبب أنظمة الحكم السائدة فيها، علماً إن ما تمتلكه هذه الدول من الموارد أضعاف ما تمتلكه الدول المهاجر إليها، ولكن هل يمتلك حكام هذه الدول الشجاعة في الإفصاح عن السبب الذي حول بلدانهم إلى بلدان طاردة لشعوبها رغم ما تمتلكه من موارد كبيرة تكفي لعيش قارة مع شعوبها !!! وكان الأجدر بقادة المنطقة أن ينتهجوا بشكل اختياري وطوعي نهجاً ديمقراطياً في حكم شعوبهم وان يؤمنوا إيمانا حقيقياً في التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وان لا يجبروا شعوبهم على أن تفرض عليهم المنهج الديمقراطي بالقوة وهذا ما بدأ يبرز بشكل واضح في بعض الدول العربية وعند ذلك لا تنفع الديكتاتورية حصونها.لذا فإن أهم مقومات نجاح التجربة الديمقراطية في البلد متوفرة عبر هذا التنوع الفكري والأيدولوجي والعرقي والذي يسمح بتكوين رؤى تصب جميعها في بناء الدولة العراقية وفق أسس المواطنة الصحيحة بعيدا عن التخندقات التي لا تقود إلا لمزيد من ضياع الهوية الوطنية التي ظل شعب العراق ملتحما لأجلها ولا يمكن أن يفرط بهذه الهوية على حساب الهويات الفرعية الأخرى .
عوامل القوة فـي الديمقراطية العراقية
نشر في: 15 أكتوبر, 2010: 06:30 م