TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > عراء الرؤى الصاخبة .. فـي "بيوت بلا قبعات " لـ مـحـمـود الـنـمـر

عراء الرؤى الصاخبة .. فـي "بيوت بلا قبعات " لـ مـحـمـود الـنـمـر

نشر في: 15 أكتوبر, 2010: 06:46 م

عادل العاملبقدرِ ما يندر اللؤلؤ، تتألق اللؤلؤة، أيُّ لؤلؤة، في نظر الناس و تثير الدهشة، و بقدرِ ما يقلّ الشعر الجيد، تختال القصيدة الجميلة في رأس القارئ الذوّاق و تطرب لها نفسه، و بقدر ما تتراكم المجموعات الشعرية الضعيفة، تبرز مجموعة كمجموعة محمود النمر،
" بيوت بلا قبعات "، باعتبارها من النادر الذي يمكننا أن نسميه شعراً بالفعل خلال السنوات الأخيرة ! و هذا ليس تزكيةً مطلقة، بطبيعة الحال، لكل ما في المجموعة من قصائد، و تعابير، و تداخلات، و استطرادات، و مواطن قوة، أو مواطن ضعف قد تكون مواطن قوة في نظر غيري، و هذه هي حال الشعر. على أية حال. فالشاعر، أي شاعرٍ، يحاول في العادة أن يوصل فكرةً أو إحساساً أو معنىً أو صورة، فيكون اللفظ أحياناً على حساب المعنى، و أحياناً العكس، و هو أولى بتقويم ما اختلَّ لديه من تعبير، أو تفعيلة، أو وزن، في مسار تجربته الشعرية. و كل هذا وارد، بطريقة أو بأخرى، هنا أو هناك من إبداعات الشعراء قديماً و حديثاً. لكن وسط العماء الذي أدخلتنا فيه متاهات " قصيدة النثر " السائدة اليوم، و هذا ليس سُبّة و إنما هو تشخيص لحالة يسميها أصحابها تكثيفاً، أو تركيزاً شديداًً، أو لغطاً لا يفهمه إلا صاحبه، أو حتى صاحبه أحياناً، يمكننا هنا في " بيوت " النمر المكشوفة أن نتنشّق نسائم العراء الطبيعي الزاخر بالرؤى الصاخبة ، و الذكريات المريرةّ، و مشاهد الألفة التي غادرت منذ وقتٍ بعيد :[ أنا أستفيقُ إلى بكاءِ حبيبتي فتجرّني الأحزانُ و النهرُ الذي التهمَ الصراخو ليس في لَوذِ الحمائمِ يستغيثُ كما الجسَدْالأمُّ يتبعُها الولدْو تساقط الأرواحِ غيثٌ  يستحيلُ إلى نثيث فتَمَثَّلي الوجعَ الذي قتلَ الحمائم و أنتَ يا وجعَ الجنوبِ غداً ستبقى سادراً للموتِ أو ضرعاً حلوب! .. ]و يشكل النازحون من الجنوب هنا هاجساً يسكن الشاعر و يستخرج من داخله المشتعل ما يستخرجه البركان من باطن الأرض، أو كل ما اختزنته السنوات لديه من اشتعالات و انطفاءات و تطلعات أجهضها رعب الطغيان الأهوج و استباحة الأرض و الإنسان في ذلك الجنوب الذي كان جميلاً مع التخلّف الذي هو فيه:[ النازحون من الجنوبو الطير في ركب اصطحاب الشمسِ ينفيه الشحوب و الحالمات، النازفات، الخارقات  هوَ لا يزال يحنُّ للبرديّ مسكوناً بآهات اليشَنْ و تنافر الأسماك و الفالات و الصوت الجنوبيّ المدوّي  ليلٌ طويلٌ في البكاء  ليلٌ قصيرٌ في مغاواة النساء   ليلٌ ترجَّلَ و انحنى   و أنا هنا المنفي ُّأستلُّ الكآبةَ في المدن .. ]  و لهذا الليل، الذي يذكّرنا بليل امرئ القيس بطوله و عرضه، التواءاته و كمائنه الغادرة المتربصة بالنفس الإنسانية المتأبطة خيراً، غير أن الشر كثير و أكثر منه الساعون إليه و أكثر منهم ضحاياه، و الشاعر يدرك مأزقه وسط الخراب الروحي المحيط به، و عليه أن لا يسمح لطيبته أن تجعل منه ضحية أخرى أو شهيداً بلا طائل :[ سأغادرُ ظلّي  فبعضُ الموبوئين ينامون على كتفي و أنا لا أغفرُ حتى ذنبي حين ألوك لحومَ الظنّمأساتي أن أدخلَ بابَ الرحمة و الناسُ نُز و أقامرُ حتى في طبعي برغيفي  الباقي تحت وسادة هذا العمر ... ]لا أظنني قلت ما يجدر قوله نقدياً في حق محمود النمر، فأنا لستُ إلا شاعراً مثله، و الشعراء لا يُحسنون إلا الكلام ، الجميل أحياناً، أو يتبادلون الأنخاب في صحة بعضهم بعضاً! و لهذا أترك هذه المجموعة الشعرية المختلفة أمانةً بين يدي الناقد الذي يحترم مهنته الفنية الجليلة ليجد لنا في " بيوت بلا قبعات " ما تهيّبتُ أنا أو قصّرتُ عن الكشف عنه في هذا المرور السريع، سواء كان ذلك سلباً أو إيجاباً، و هو في الحالتين كسبٌ ثمين للشاعر، و للناقد، و لمحبّي الشعر بوجهٍ عام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram