مثنى كاظم صادق ثمة اتفاق شبه جماعي على أن الرسالة الإعلامية انعكاس موجه إلى الآخر ، إذ ليس شرطاً أن يكون هذا الآخر منسجما مع هذه الرسالة أو تلك ، بقدر ما تؤديه هذه الرسالة من غرض سلبي أو إيجابي فيه، ومن هنا بدأت بعض الفضائيات بعمل برامج وضعت خصيصا للاستفزاز الديني والمذهبي والعرقي والأثني: والغريب في الأمر أن كثيراً من الناس الذين توجه هذه البرامج إليهم؛
لغرض إثارة غضبهم وغيظهم واستفزازهم، يواصلون متابعتها والإدمان على مشاهدتها والكلام عليها وسبها ولعنها ولعن من فيها، وعندما تسألهم وهم غاضبون لماذا تتابعون هذه البرامج أو هذه القنوات إذن إن كانت تزعجكم وتنتقص من معتقداتكم المقدسة؟ فيمزون شفاههم ويلوذون بالصمت أو لا يجيبون إجابات مقنعة وكأنهم (مازوشيون) يستلذون بهذا التعذيب الفكري الذي يمارس ضدهم!! وما دروا أن هذه البرامج تحقق أهدافها فيهم، ببث الوقيعة وإيغار صدورهم على الآخر المختلف لإثارة الغوغاء والدهماء، ومن الجدير بالذكر أننا نحتاج في واقعنا العراقي وواقعنا العربي إلى ترشيد هذه البرامج وهذه الفضائيات وجعلها أكثر عقلانية عملا بالتعاطي مع المختلف وفق المنهج الإسلامي المتسامح كما في قوله تعالى: [ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ] النحل:125 إن من حق البرامج أن تبين وجهة نظرها وفق معتقدها الديني في ما يخص العبادات أو المعاملات فليس ثمة مشكلة في ذلك لكن دون الوقوع في التكذيب على الآخر والانجرار إلى تكفيره وتسفيهه وإخراجه من دائرة الدين ، والحث على قتله وقتاله، ومع ذلك فلو انتبهنا قليلا إلى المادة التي تقدم في هذه البرامج نجد أن أغلبها لا يدور ضمن المادة الفقهية من الحلال والحرام التي يحتاجها الناس في يومياتهم بقدر ما نجده من سرد للحوادث التاريخية أو التعرض إلى فتنة ما؛ فيبدأ التلاسن والتراشق والسجال والسب واللعن بين الضيوف والمتصلين ، كل منهم يدعي وصلا بليلى، فيبدِّع أحدهم عقيدة الآخر، ويخرجه من أرومة الدين ، وكأن هذه البرامج وضعت خصيصا للتفرقة، علما أن كثيرا من الناس لديهم الاستعداد لتقبل هذا الإنتاج المسموم ناسين أو متناسين أن كثيرا من الاتجاهات الدينية المعاصرة تقوم على الشخصيات السياسية بالدرجة الأساس بمعنى أن مكمن المشكلة في الخواص من الناس دون عوامهم . نحن كمجتمع عربي وإسلامي نعاني من مشكلة في عرض المنهج الإسلامي أو الدعوة إليه ، فكل واحد منا يتشبث بالحقيقة ويظنها مطلقة له وحده إنما الحقيقة كثيرا ما تكون نسبية، نظراً لأننا لم نتوصل إليها بالبحث والتنقيب والتجرد من العاطفة وإنما أتت جاهزة من ميراث العائلة الديني أو العرقي والأثني ، فالمرء يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يجعلانه حنيفا مسلما كما يشير الحديث النبوي الشريف .
برامج الاستفزاز الديني فـي الفضائيات
نشر في: 18 أكتوبر, 2010: 05:31 م