باسم عبد الحميد حمّودياصدر الفنان طه سالم حديثا الجزء الثاني من جهده المسرحي الجديد تحت عنوان (مسرحياتي) وضم كتابه الجديد مسرحيات (حصار بغداد أو طوب بغداد) و ( أرواح هائمة ) و(لوحة فنية) .
ظاهر الأمر أن هذا الفنان الكبير الذي كتب لنا ( فوانيس) في ستينيات القرن العشرين وعدداً مهما من المسرحيات الشعبية التي تمسك دوما بخط فكري ملتزم لم يجد ناشرا يطبع له  هذا الجزء فقام بنشره من حساب مورده الضئيل ( الراتب التقاعدي ) في إصرار منه يعد مثارا للتقدير والإعجاب . ان هذا النوع من الرجال يكاد يضيع وسط حشود من المحسوبين على الفن والثقافة وقد أخذوا حصصا لا يستحقونها هي حصص طه سالم وبدري حسون  وأمثالهما . طه سالم  ( لمن لا يعرفه) من مواليد 1930  وأحد الخريجين المميزين في معهد الفنون الجميلة وهو مؤلف مسرحي معروف تميز بإنتاجه للكثير من المسرحيات الي نالت اعجاب من حضر عروضها ومن النقاد والفنانين ،وهو مخرج مسرحي وممثل نال جوائز متعددة عراقيا وعربيا ،وشارك طه سالم في تمثيل بعض الأفلام العراقية وظهر في الكثير من المسلسلات التلفازية، إضافة  إلى انه أحد مؤسسي نقابة الفنانين وقد كان عضوا في أول مجلس مركزي لها . نقف هنا مع واحدة من مسرحيات الجزء الثاني التي نشرها تحت عنوان (حصار بغداد أو طوب بغداد) وهي تتعرض إلى تفاصيل الصراع الدائم بين الحاكم والمحكوم عبر طرحها موضوعة حصار بغداد تاريخيا ودور طوب أبو خزّامة ( الذي صنعه رجال شجعان ) في تحقيق نصر اهل بغداد على مهاجميهم . يصوّر طه سالم الصراع من عدة أطراف  لا يكون العدو الشاخص فيها  هو العدو الأساسي ،بل العدو هو الجهالة والابتزاز  والاستسلام لمقدرات الامتداح والمشورة السيئة للحاكم  الذي يرفض الاستماع إلى النصائح الشعبية ألاعن اضطرار واستحضار لمقومات الغدر بالقاضي الذي يمثل صوت الشعب وبالشباب الذين صمموا المدفع الجديد واكتشفوا خلال عملهم خبث من احضر لهم خامة العمل وغشه لمواده ،ولم يكن ذلك سوى الوزير الذي ساوم المهاجمين وغدر بالقاضي وبالصنّاع الشباب الذين أعادوا بناء ذلك المدفع (طوب أبو خزّامة) الذي استطاع هزيمة الأعداء .  هنا يتحول انتصار الشعب الى انتصار شخصي للسلطان ويعدم السلطان من قاتلوا من اجل حرية الوطن بتهمة الخيانة زورا ،وبذلك وبيد من استقوى  يكتب تاريخ الشعوب وتستبدل الحقائق بـ(حقائق) أخرى أكثر بعدا عن الناس. قدم طه سالم مسرحيته هذه على شكل  لوحات يمكن استخدام الصورة السينمائية في لوحاتها الأولى ضمن الفصل الأول وكانت ارض العرض المسرحي محتشدة دائماً بالصراع بين الحقائق والاكاذيب ،فطلب الجماهير بإزاحة السلطان يتحول إلى دعوة له  للاستمرار بالحكم على السنة الباشوات وقيادة القاضي للمقاومة تتحول الى مثلبة وخيانة ،وهكذا تستبدل ( الحقائق) وتكون على شكل (حقائق) جديدة.   بهذه الصياغة  -التي اختصرنا كثيرا في إيراد تفاصيلها – قدم مسرح طه سالم نموذجا متقدما للعرض المسرحي التاريخي المرتبط  بهموم الناس ومشاغلهم ضمن رؤية جديدة لأسطورة طوب ابو خزّامة.