علي حسين " مازلت لااصدق ذلك " كانت هي الكلمات الاولى التي قالها الروائي البيروفي ماريا فارغاس يوسا وهو يسمع خبر حصولة على جائزة نوبل من زوجته التي تلقت مكالمه هاتفية من الاكاديمية السويدية التي تعذر عليها الاتصال بيوسا حيث كان يلقي محاضرة في احدى الجامعات الامريكية ،
بعد ذلك اخبر زوجته بالاتخبر الاولاد شيئا ربما ينتهي الامر بمزحه مثل كل عام . لقد ظل فارغاس يوسا ينتظر هذه الجائزة منذ اكثر من عشرين عاما ، موقناً من أنه سينالها، ولكن خيبة الأمل ظلت تواجهه سنة بعد أخرى. يقول مترجم اعماله الى العربية صالح علماني :" أن الأيام التي كانت تسبق إعلان الجائزة كل عام تتحول إلى كابوس في منزل الكاتب. فالأسرة كلها تظل متوترة، مشدودة الأعصاب، تنتظر اتصالاً لا يأتي ". وحين تاكد الخبر هذه المرة قال يوسا لاحدى الصحف الاسبانية " سوف اسير في الشوارع لانني اشعر بالدوار ، ان الجائزة سقطت علي مثل الصاعقة ، ساعود الى البيت لاكتب من جديد " هكذا تعود جائزة نوبل لتحط من جديد في قارة امريكا اللاتينية بعد ان غادرتها مدة عشرين عاما منذ ان منح الشاعر اوكتافيو باث الجائزة عام 1990. يكتب يوسا في رسائله الى روائي شاب ان" كل ما يُكتَب بالاسبانية فيه رائحة ثرفانتس، مثلما كل ما يكتب في الانكليزية فيه رائحة شكسبير" هكذا ظل الحلم بكتابة ملحمة شبيهه بدون كيشوت يطارد الشاب الذي غادر البيرو إلى باريس. وهناك اكتشف أنه لن يكون كاتباً ان لم ينتمي الى امريكا للاتينية رغم تسمية أصدقائه له سارتر الصغير ، كان حب يوسا الأدبي الأول مسرحيّا ، ذلك انه كتب عملا مسرحيا في 1952 ، الا ان وجد في الرواية عالما اكثر غرائبية "الروائي يكتب عمله من تجربته الحياتية، مشيداً عالمه المتخيل على أسس الواقع ، يقوم الروائي ، بالنبش في تجربته الحياتية الخاصة، بحثاً عن دعائم ومرتكزات لكي يبتكر قصصاً. والكاتب لا يمتلك حرية واسعة جداً في اختياره لموضوعاته، فهذه الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه.. إنها رحيق تجاربه وخبراته التي يبدأ بها لكنها لا تحدد عنده نقطة الوصول، فالروائي مسؤول عن كيفية معالجته فنياً للموضوعات التي هيمنت على ذهنه، ووجّهته للكتابة عنها. إنه ينصاع لمتطلبات عمله، تحت وطأة تلك الرابطة الحميمة التي تجمعه مع صور ومشاهد وحالات بعينها من هذا العالم، فيكتب قصصه المتخيلة. والطريقة التي يجسدها بها هي ما تجعل من هذه القصص أصيلة أو مبتذلة، عميقة أو سطحية، معقدة أو بسيطة، وهي التي تمنح الشخصيات الكثافة، والغموض والاحتمالية "وهو يعترف في رسائل الى روائي شاب من ان "الرواية في نهاية المطاف ليست سوى كذبة أو خدعة إنها لا تنقل الواقع بحذافيره، بل تخلق، بوساطة اللغة، واقعاً آخر مكافئاً، أو موازياً؛ له استقلاليته وخصائصه الفريدة. ومن هنا تكون مهمة الروائي إقناعنا بأن ما يرويه هو الحقيقة، وإن لم يكن كذلك. وحتى حين يمضي بالسرد المتخيل إلى أفق الفانتازيا عليه أن يموه بطريقته في التعاطي مع اللغة والأسلوب السرديين إلى درجة اندماجنا مع عالمه " .روايته الأولى «المدينة والكلاب»، تعرّضت للحذف في طبعتها الإسبانية الأولى، وأُحرقت نسخها في البيرو . وبعد انتهاء حكم فرانكو، نُشرت كاملة، هذه الرواية ستكون نقطة البدء لرواياته اللاحقة، والتي اشتغل فيها على ثيمه ستصبح ملازمة لمعظم اعماله وهي " الدكتاتورية السياسية " والتي توجها لاحقا بروايته الكبيرة حفلة التيس عبر فضح شخصية الدكتاتور رافائيل تروخيليو الذي حكم جمهورية الدومنيكان بين 1930و1960. وفيها يختزل يوسا وبمهارة عالية كل الاعمال الادبية والفكرية التي استغلت على موضوعة تعسف السلطة وابرزها بالتاكيد ، "خريف البطريرك" لماركيز، و"السيد الرئيس" لميغيل استورياس. في هذه الرواية يمزج صاحب "في مديح الخاله" مواصفات رواية العصور الوسطى التي توجت بالنموذج الاهم " دون كيشوت "وبتقنية الرواية البوليسية وخصوصا في روايات جورج سيمنون من دون إهمال التراث الروائي لكتاب امريكا اللاتينية يقول يوسا عن حفلة التيس "أنّ الواقع يتجاوز في هوله المتخيل، فخلال ثمانية اشهر من اللقاءات والشهادات عن ماحصل في زمن الطاغية تروخيللو ،هذا الطاغية الاستعراضي الذي يخبئ عينيه الوحشيتين وراء نظارة سوداء ، اردت ان اقدم خلاصه لكن الواقع كان اكثر عنفا ووحشية من كل ماكتب في الرواية "" في العام 2003 يزور يوسا بغداد بصحبة ابنته المصوّرة الفوتوغرافية ليكتب ما يشبه التحقيق والانطباعات عن العراقيين وأحوالهم المتفاقمة. والزيارة هذه كانت بحافز من صحيفة و «لوموند» الفرنسية. وعندما كتب يوسا تلك الانطباعات بدت أشبه بنص إبداعي جميل، ترجم الى العربية اقتطف فقرات منه ""عادت بي ذاكرتي إلى عراق القرون الوسطى عندما وطئت قدماي بغداد. سنحت لي صبيحة ذلك اليوم
يوسا: لااحد فـي العراق يتحسر على عهد صدام
نشر في: 21 أكتوبر, 2010: 06:36 م