TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > كفنٌ من الكلمات فـي راوندا

كفنٌ من الكلمات فـي راوندا

نشر في: 26 أكتوبر, 2010: 05:40 م

إيمان قاسم ذيبان تُصنف روايات المؤلفة الراوندية شولا ستيك موكازونكا (حافية القدمين) ضمن التيار الأدبي المميز، الخاص بما بعد استقلال راوندا. فقد عُدت هذهِ التوتسية المستقرة في نورماندي حالياً بمثابة شاهد عيان فريد من نوعهِ لأنها الناجية الوحيدة من أفراد عائلتها السبعة والثلاثين. كما عاصرت يوميات التعذيب والاضطهاد في بلدها الأم حتى عام 1994 لتوثقها في كتابها  الأول (انيو نزي) أو (الصراصير) الذي ظهر للمرة الأولى لدى دار النشر غاليمارد في عام 2006.
وإذا كانت هذه الحكاية تهدف إلى إدراك وتصور المراحل المختلفة لعملية التطهير العرقي لتصل حد الإبادة الجماعية، فإن عملها الثاني (حافية القدمين) سلط الضوء على النسوة التوتسيات ونضالهن في الحفاظ على الارتباط الاجتماعي. بطلة الحكاية امرأة تُدعى ستيفانيا وهي والدة الكاتبة المتوفية في خضم حملات الإبادة الجماعية، وحولها أعيد تنظيم حياة المهجرين من قرية نيماتا في (بوجزيرا) وهي منطقة لا ترحب بالغرباء على الإطلاق،    متاخمة في إحدى ضواحي راوندا.  عاشت الأولى حياةً ملؤها المطاردة حيث تتوارى ضحكات الأشقاء أمام جلبة وتكسر الصفائح الحديدية للمساكن التي يقوم بها الجنود غير المنظمين في عملياتٍ عسكرية. هنا تحاذي عبارات الخوف والرعب أيام الطفولة الهادئة والساكنة بحضور (الأم) التي تستبسل في الحفاظ على تماسك المجموعة بأي ثمنٍ كان. كما رصعت المؤلفة نصها عبر شواهد ولوحات من النسوة المؤثرات والغريبات في الوقت ذاتهِ أمثال: سوزان كفيلة العذارى وكلوديا المشغولة في البحث عن هويتها الحقيقية وكيلما دام التي تصنع الخبز لنيماتا. فكنَّ بذلك أشبه ببرلمانٍ نسوي ونسيجٍ من القماش متراص الحبك. هكذا أعادت موزونكا بناء قارتها الحبيبة أفريقيا ووطنها الأم عبر سرد الحياة اليومية في القرية. ولطالما تذكرت والدتها وهي تترصد لأصوات القنابل المتساقطة هنا وهناك أو لتضع علامات مميزة على المخابئ الصغيرة، حافرةً تحت سريرها نفقاً وهمياً لتحمي عالمها الافتراضي أو بالأحرى (هروبها الافتراضي). مع ذلك تعود الأمور لمجراها الطبيعي بتسلسل الأحداث. كانت هذه الأم بشجاعتها حارسة للأرواح الطيبة والأعراف والتقاليد في الوقت ذاته. فهي من زرع الذرة البيضاء ونبتة ملك الحقول كما احتفت بعيد الحصاد وفقاً لطقوس أسلافها. وبينما كانت تلجأ إلى استخدام الرقي والتعاويذ، كان زوجها يتلو صلاة المائدة ويشيد بالنباتات ذات الفأل الحسن أو تلك المستخدمة في الطب التقليدي. ولم تستطع صرخات الرعب والتعذيب أن تطفأ رغبتها في مساعدة الآخرين لتشبه برك المياه التي تقدم صفاءها مرآة للحسناوات. فستيفانيا، وقبل كل شيء خطابة ذائعة الصيت، تحكم بعدالة وتقيّم أصول الجمال.إذاً، في هذهِ الحكاية المركبة، تخيلت المؤلفة عملاً مزجت فيه بين مهنة عالم سلالي وقاصٍ ماهر، موظفةً حقل الخيال مع هذهِ البصمة الشعرية المستمدة من قواعد الشفافية. وبهاتين القاعدتين، عرفت كيف تفصح عن أصلها وتضيف شيئاً من سيرتها الذاتية. ولا ننسى إفراطها المستمر في الدقة، فهي لم تهمل أدنى حركة أو أقل تفصيل أو أي شعيرة من كتاب الطقوس كي تغطي من جديد جثمان والدتها بكفنٍ من الكلمات لا بكفنٍ من القماش ولتوفي بوعدها أو كما أسمته (واجبها المحتوم) لأنها قالت لها ذات يوم :"ما من أحدٍ يحب رؤية جثة والدتهِ". 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram