رياض النعمانيتلمحُ الميل يعمّ الشارع ويقوم بنشر ما تبقى منه وما أبقته فيه الأيام من ركام ناحل على شرفة المدى رايات طالعة من يتم وهزيمة ظلتا تقارعان من أجل الأعراس والأعالي . ها ..هو الآن آخر الخيط في الدخان الأبيض الذابل المتصاعد من زفرة الروح النبوية المترنحة بين الجهات التي ضيّعتها خطى أعدت الطريق لنعمة الظلال ، وضوء المتاهة كي يصبح الوصول في أوج الانكسار ، وأبهى الصور .
هذا الخيط الناحل المترنح في ذبوله الشفاف حتى الغياب .. فجأة ينقلب على نفسه ويهجم ـ بشراسة قوى الطبيعة العاتية على الطريق والهواء بقصف ورعد وهزيم وعاصفات هوج .تاريخ من خيول الدهر المترامي تندفع تحت لهب بروق تزلزل الوراء ، والماوراء ـ وكما يفعل النسر مع فريسته المختبئة بين اضطراب الموج ـ يخطف الأرض من سرتها كي تكون مهيأة لما يشتهي القلب المتقوب بعاديات الأيام وغدر السنوات النذل ..من حزن وحنين ، ووجع يدوم ويدوم . ذلك هو رشدي العامل تاريخ النبل والشرف والمروءة والدفء التي ترشد الروح لما فيها من نقاوة وشهامة لا ترى من حياتها إلاّ الشغف الأبدي والتضحية الأزلية لفكرة الصداقة التي صارت معتقده ... الصداقة التي يحبها بنفس القدر الذي يكره به القبح والوحشية والعداوة التي مثّلتها عصابة النظام المباد .هذا الذي يملك شيئاً ، ولا يملكه شيء .لا يسير بوله وحكمة وفهم عادل ، ولا يجلس بهيبة إلاّ عند حافة كأس ـ يخبره قبل الصوت وقبل المجىء ـ تُشير الى عالم يحتفي بالنشوة والمشتهيات وبياض السريرة ، ويقول ما لا تقوله لغة العبيد والمهادنين . عند رشدي صارت الصداقة والنشوة عقيدة يستعين بها على الفساد .. تمتزج بالروح وتخرج إلى العالم مزودة بعنصر مقاومة لا تتعب ،........ ترى في اليأس خلاصها وقوتها الراسخة وسلطتها التي لم يكن بإمكان سلطة السلطة الغاشمة أن تصرعها أو تذلها . ثورياً كان حتى حدود السخرية من عصر وواقع وسلطة ليس لوحشيتها من مثيل .ظل يحتفل بالحياة حتى آخر حدود القصيدة . إن حياته فضيحة عالية لسيرة الأوغاد واللصوص والمتهافتين على رضا وفتات الحاكم محتلاً كان أم محلياً لا يتعب من التعب ، ولا يضحك إلاّ في أعالي الكآبة وآخر الشوطوفي تمام الخسارة .عفة ليس لها حدود هو رشدي .ومما يُشير الى عظمة رشدي وحياته الدائمة .. إن وجوده لا يزال يسكن ويطلع ويأتي من المستقبل ، نزيهاً نقياً ، طاهراً، زاهداً يُضيء أيامنا بمُثُل تفضح واقعنا الآن والذي شكلته ، وأفسدته أزمنة الفاشية والاحتلال ، والطوائف التي فرّخت لصوصاً وقهراً (وسرسرية)، وعبيد محرمات ولذائذ ، نواب ووزراء ووكلاء وزارات لا يستحون حوّلوا مواقهم وبعض المتعاملات الى فخاخ لاصطياد الطرائد من جميلات دوائرهم التي هي أمثلة صارخة للفساد والخراب وارتكاب المعاصي .شكراً رشدي .. لأنك منحتنا من قوة الحياة ما جعلنا نسير ونحن مزوّدين بما يليق بالحب والاسم والفكرة وشرف البلاد . تحية لك أيها الصارخ ، العاتي ـ على كل من عتى 1 ـ
رشدي العامل.. على شرفة المدى
نشر في: 26 أكتوبر, 2010: 05:42 م