علي نقي المنزوي ترجمة : دانا أحمد مصطفىكانت كردستان مهداً للعرفانية والصوفية الاسلامية، وكانت مركزا لظهور النظريات العرفانية والإشراقية قبل الإسلام والتي تسمى (غينو سيزم) باللغلت الاوروبية. منذ القرن الاول قبل الميلاد والى القرن السابع الميلادي كانت الفلسفة الإشراقية والتوحيد الإشراقي والثنائية الكردية تـُدْرّسُ في مدارس كردستان في مدن (رُها، حرّان، نصيبين) وكذلك مدرسة (جندي شابور) في خزستان.
عندما جاء العرب الى تلك المناطق أغلقوا تلك المدارس لفترة من الزمن، إلا أنها انبثق منها النور من جديد في منتصف القرن الثامن الميلادي.ولكي يكون حديثنا واضحا علينا ان نلقي الضوء على بعض من المصطلحات الفلسفية، وبعد ذلك نتحدث عن بعض من المراكز العلمية في كردستان، ومن ثم نتعرف على الفيلسوف الكردي الكبير (بن ديصان) .rnالتوحيد الإشراقي والتوحيد العددييقول الصوفي (السهروردي) الذي استشهد سنة 682 للهجرة : إن التوحيد العددي يقابل الثنائية والثلاثية، لكن التوحيد الإشراقي يعني (الكل) و ليس له مقابل، التوحيد الإشراقي بمعنى (الوجود) ولايقابله سوى (العدم)، إذن أن التوحيد الإشراقي لا يُكثــّر.rnالتوحيد عند اليهودية كان التوحيد العدديسَمّى اليهود ربَّهم بـ (يهوه) وهو ملك جبار اكبر الملوك، كانوا يتخيلونه، وكان واحدا لكونه اشد تسلطا من سائر المتسلطين، أي انه الاكثر نفوذا من إله الأقوام الأخرى، لكن يشاركه بعض الناس في معظم صفاته الاخرى.rnالفسلفة الثنائيةإن للفلسفة الثنائية جذوراً هندية آرية، وكان سكان وادي (سند) و (الفرات) يؤمنون بها بشكل او بآخر منذ ألفي سنة قبل الميلاد، وكانوا يعدّون العالمَ المادي (سينتيز) صراعَ عالمين متضادين، اي عالم النور (الخير) من جهة وعالم الظلام (الشر) من جهة اخرى، وكانوا - بحسب قول الشهرستاني -يطلقون كلمة (المعدل) لـ(سينتيز) "الملل والنحل ج1 ص252"، وكانوا يقولون: إن عالم النور او (الإله) ليست له السلطة على الشر ويستحيل ان يفيض الشر عن الخير، والعكس صحيح، فإن عالم الظلام (الشر) لا سلطة له على عالم الخير ويستحيل ان يفيض عنه الخير، هذا النظام في علم الكلام الإسلامي يُعبّر عنها بالقول: (لايصدر من الواحد إلا الواحد)، وعن صراع عالمَي الخير والشر المتضادين صدر عالم (المعدل) الثالث، العالم المادي تتكون من اختلاط الاجزاء غير المنسجمة لهذين العالمين، والانسان الذي هو اكمل الاجزاء للعالم الثالث يتساوى في تركيبه عنصرا الخير والشر، لذلك يمكن ان يسبب للخير والشر معا، وان أياً من العنصرين لا يَقدرُ على جلبه تماما، وان العقل الانساني هو الذي بمقدوره الاختيار بين الخير والشر، وهو في الوقت نفسه مصدر المسؤولية الاخلاقية ومسؤولية الحقوق.إن عاقبة العمل الصالح هي التوجه نحو عالم الخير و الانضمام الى عالم النور(الجنة) في النهاية، وان عاقبة العمل المنكر تقود الانسان الى عالم الظلام والألم والمصائب وبالتالي الى جهنم.rnرُها = إديسّة EDESSAEإن مدينة أديسة والتي اطلق عليها المسلمون اسم (رها) كانت على ضفة نهر (ديصان) التي تقع الان في تركيا وتسمى (قره قويون + الخروف الاسود) ، هذه المدينة منذ القرن الاول قبل الميلاد الى القرن السادس الميلادي كانت مركزا لتبادل و تصادم افكار الاقوام الآرية والسامية، تدرّس في مدرسة (رُها) الفكر المشـبائي الاغريقي، الافلاطونية الحديثة للاسكندرية و غيونيزم الهندية معاً، اختلط التوحيد اليهودي بالثنائية الكردية، والتقت فيها النبوة الإسرائيلية والإشراقية الهندية والآرية.rnمدينتا (حرّان و نصيبين)انتقل المركز العلمي في القرنين السادس والسابع الميلادي من (رُها) الى هذين المدينتين، وبعد ان احتل العرب هاتين المدينتين اغلقوا مدارسهما لنحو قرن من الزمان، ومن الفلاسفة المسلمين الذين تخرجوا من مدرسة حرّان (ثابت بن قرة) و أبناؤه، و (ابو عبد الله البستاني) والذين عاشوا في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).rnبرديصان برديصان (ابن ديصان) فيلسوف ولد في شهر تموز سنة 154 للميلاد، من ابوين كرديين وإسماهما (نهاما) و (نهشيرام) بمدينة (رُها) التي كانت تسمى ايضا بـ (أورفا وإيديسة)، لان وادي دَيْصان (قره قويون) يمر عبر هذه المدينة فاشتهر بـ (برديصان) أي (ابن ديصان) ، ان ابويه اللذين يعتبران نفسيهما من قوم (بارت) كانا يعملان في قصر مانو الثامن (139-163) من العائلة الابغارية، نشأ برديصان مع أبغار التاسع الذي كان وليا للعهد، وتعلم في المدارس لغتي السريانية واليونانية اللتين كانتا اللغتين العلميتين في ذلك الوقت، و تعلم السريانية الى حد لقب بمبدع الشعر السرياني.بعد انقلاب ضد القصر توجهت عائلته الى (منبج) و تعلم في مدارسها علم النجوم و الغيوسيزمية الكردية، وحينما اعتلى ابغا التاسع (صديقه المدرسي في الطفولة) العرش (176-216م) عاد برديصان الى رها واختلط بالمسيحيين و تديّن بدينهم ووصل الى مرتبة الكهان، لكن سرعان ما ارتد عن ذلك الدين و دافع عن الفلسفة الثناية والإشراقية الكردية الى نهاية حياته، لذلك اصبح عرضة لكراهية المسيحيين، ومات سنة 222م في الثامنة والستين من عمره و خلف ثلاثة اولاد و عدداً من الكتب.rnآثار برديصانالآثار التي سجلها المؤرخون باسمه كثيرة، لكنها ضاعت سوى عدد قليل من كتبه، منها: كتاب ا
فلسفة التوحيدالإشراقي الصوفية الثنوية في كردستان قبل الإسلام
نشر في: 30 أكتوبر, 2010: 05:44 م